نظراً للارتباط الوثيق مابين الشرق السوري والعراق لخضوعهما للنفوذ الأمريكي ومهددتان من سياسات إيران التخريبية…
الواقع الأمني و دوره في رسم خريطة الصراع في مناطق سيطرة قسد في ريف دير الزور
ـ يعدّ الأمن من أهمّ مقومات حياة الإنسان، وضرورة أساسيّة لكل جهد بشريّ، فهو يمثل قرين الإنسان وشقيق حياته، ووجود الأمن يحقق الهدف من خلافة الانسان في الأرض، فهو يسمح للإنسان بتوظيف ملكاته وإطلاق مهاراته وقدراته في تنمية وتطوير محيطه وبلده على حد سواء..
وفي تعريجٍ سريعٍ ومقتضب على أنواع الأمن نجد أن الأمن الاجتماعي هو الحالة التي تفرض وجود تنظيمٍ اجتماعي يحقق شعور أفراد المجتمع بالانتماء إلى مجتمعهم..
والأمن البيئي وهو تحقيق الحماية لمختلف جوانب البيئة من هواءٍ وماءٍ وتراب من خلال منع الاعتداءات عليها واتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتها.. والأمن الغذائي وهو مقدرة السلطة على توفير مختلف الاحتياجات الغذائية الأساسيّة لشعبها. أمّا الأمن الاقتصادي وهو ما يتضمن ضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة لأفراد المجتمع في المأكل والملبس والعلاج..
ـ أما الأمن الشخصي « الفردي « فهو أمن الفرد على نفسه وماله.. من الوسط المحيط وهو الحلقة المفقودة التي ما زلنا نبحث عنها، وهو موضوع بحثنا في مقالنا هذا:
«الواقع الأمني ودوره في رسم خريطة الصراع في المنطقة»
ـ يمكننا القول: إنه منذ انطلاق الحراك الثوري في ربيع 2011 م كانت المنطقة برمتها تعيش نزاعاً كامناً قبل انطلاق هذا الحراك، في ظل سوء الأوضاع المعيشية، نتيجة تراجع القطاعات الرئيسية في البلاد كــ الزراعة وغيرها، وانتشار الفساد، وانعدام الحريات، ممّا عجّل بانطلاق الحراك الثوري، فالنظام من خلال القبضة الأمنية عبر عشرات الفروع الأمنية أطبق قبضته على البلاد، هذه الفروع التي انتهكت حرمة دم المواطن وماله وعرضه، وعليه كانت هذه الحالة عاملاً هاماً وحافزاً لإشعال فتيل الثورة، فلا أمن ولا أمان على المستوى الشخصي في البلاد…، ومع دخول العسكرة على الحراك الثوري نتيجة لقيام النظام بتوجيه فوهات البنادق والمدافع والدبابات صوب صدور المتظاهرين أُدخلتِ الثورة مرحلةً جديدةً من مراحل الصراع على الأرض السورية.
ومع وصول تنظيم «داعش» في صيف 2014 وسيطرته على أجزاءٍ واسعةٍ من المنطقة، وتنكيله بها و بأهلها وفرض سطوته ووجوده من خلال سياسة قطع رؤوس المناوئين والمعارضين لوجوده في المنطقة، وخاصة عناصر فصائل الثورة التي خاضت حرباً شرسة مع التنظيم واستطاع التنظيم في النهاية السيطرة على غالب المناطق على حساب فصائل الثورة التي خسرت عدداً كبيراً من قياداتها وعناصرها في معارك طاحنة مع التنظيم، لتكون واقعة مجازر الشعيطات الحدث المفصلي الأبرز في تاريخ المنطقة الحديث والتي راح ضحيتها مئات الشهداء من أبناء الشعيطات..
ومع تشكيل التحالف الدولي وتعاونه مع قسد لطرد التنظيم من سورية ووصول طلائع هذه القوات في صيف 2017 وسيطرتها على أجزاءٍ واسعة من المنطقة والقضاء على آخر جيوب التنظيم في بلدة الباغوز طُويت صفحةٌ من صفحات الصراع بذلك الشكل، وفُتحت صفحة جديدة من صفحات الصراع على الأرض السوريّة.
ـ وهنا يبدأ موضوع بحثنا بشكل أعمق لنقول: إن الوضع الأمني بعد الانتهاء من آخر جيوب التنظيم، كان مستقراً و هادئا قياساً بالفترات السابقة؛ إذ مرت المنطقة وسكانها في بحبوحة من الهدوء الأمني في ظل سيطرة الوافد الجديد، و في ظل هذه البحوحة بدأ المواطن في شرق الفرات يراقب تصرفات قسد ونشاطاتها في المنطقة، وهي تسابق الزمن في نقل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه كمرحلة أولى، ومن ثّم اتجهت قسد وفي خطة ممنهجة على نقل خيرات المنطقة من النفط والقمح والبحص إمّا إلى مدينة الحسكة أو إلى مناطق سيطرة النظام عبر المنافذ البرية والمعابر النهرية في مشهد يدمي القلوب، والمواطن يرى بأم عينه كيف غدر الحليف الجديد بالمنطقة وأهلها وضرب بعرض الحائط دماء وتضحيات سكان شرق الفرات في قتالهم للنظام المجرم ووقوفهم بوجه داعش ضمن معارك تاريخية حيث استُشهد المئات من أبناء المنطقة وتلتها مجازر ومآسي قام بها التنظيم ليتساءل المواطن هناك؛ ألم يكن هذا كافياً لمنع قسد التنظيمَ من التوغل في المنطقة والقضاء على خلاياها هناك!
ولذا فقد بدأت الشكوك تتضح حيال هذا الوافد الجديد من خلال تصرفاته المريبة في المنطقة، عندما لجأ إلى إهمال الجانب الأمني بشكل مقصود وممنهج من خلال غضّ الطرف عن عناصر تنظيم داعش المتوارين عن الأنظار والمتواجدين في المنطقة، ومنهم قيادات في التنظيم، قامت هذه العناصر بتجميع نفسها وترتيب صفوفها وتحويل طبيعة عملها من نظام الأفراد «الذئاب المنفردة» إلى العمل ضمن المجموعات، وسلكت مسلكين الأول منهما: تأمين التمويل المالي لأنشطتها ولعناصرها في المنطقة من خلال فرض الأتاوات -والتي يدعي عناصر التنظيم أنها «زكاة»- على غالبية شرائح المجتمع دون استثناء، فجمعت مبالغاً ضخمة من الدولارات جراء ذلك، وما زاد في تعقيد المشهد الأمني المعقد أصلاً هو دخول أطراف من خارج التنظيم، أو أنها تعمل باسم التنظيم في هذا الإطار ليزداد الخناق ضيقاً على المواطن في شرق الفرات من خلال فرض الأتاوات عليه باسم «الزكاة» والذي كان سببا رئيساً في هجرة كثير من نخب المنطقة وكفاءاتها.
الثاني: انتقلت إلى ضرب أهدافها متى سنحت لها الفرصة في ذلك، وفق خطة مرسومة وقد قدمت هذه العمليات خدمات جليلة لقسد من حيث تدري أو لا تدري «خلايا التنظيم» حتّى أضحت هذه العمليات بمثابة الجسر الذي تعبر منه قسد إلى المنطقة لاستمرار وتسهيل تنفيذ سياساتها وأجندتها في المنطقة بحجة ملاحقة خلايا التنظيم و ضبط الفلتان الأمني لإبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار، فكان لها ما أرادت دون أن تعي هذه الأطراف اللعبة التي تلعبها على المنطقة وأهلها.
فجدلية العلاقة بين الطرفين نوجزها بالآتي:
فقسد أطلقت العنان للتنظيم ليفعل فعلته بالمنطقة وأهلها لتكون قسد الرابح الأكبر وتكون شعوب المنطقة الخاسر الأكبر و الأوحد في لعبة الصراع هذه.
ـ وهناك طرف آخر ولاعب ثالث أدّى دوراً مهماً في رسم خريطة الصراع الدائر في المنطقة، نظراً لأهمية المنطقة من النواحي كافة وإحداث حالةِ عدم استقرار فيها لصالحه؛ إنه النظام ومعه حليفته إيران من خلال خلاياهما في المنطقة، فقد نفذوا عدة أنشطة وعمليات فيها لتحقيق أهدافهم محدثين نوعاً من الفلتان الأمني في المنطقة من خلال خلاياهم السرية والموالية لهما المتواجدة في مناطق شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة قسد.
ـ أمّا اللاعب الرابع في المنطقة وهو وفي ظل الغياب شبه التام للسلطة في مناطق سيطرة قسد ونتيجة لتراكمات الفترة الماضية في ظل طبيعة الصراع والاحداث السائدة، نشط ما يسمّى عامل التصفيات في المنطقة والتي في غالبها تُقيّد باسم «مجهول، مجهولين» من خلال استهداف أفراد أو شخصيات ليس لها أية انتماءات ، فهذه الأحداث تصب ضمن دائرة الفلتان الأمني وحالة عدم الاستقرار في المنطقة مما يقود إلى رسم خريطة الصراع الجديدة..
وإننا نقول وبكل حيادية وشفافية: ما كانت لتحدث كل هذه الأمور لولا قبول قسد ورضاها بما يجري فـلديها من القوات والعتاد ما يكفي لمواجهة جيوش بأكملها، ولكن لكي تستمر بسياساتها، وأنشطتها في المنطقة فعلت ما يمكنها فعله لتحقيق أهدافها في المنطقة في ظل تجاهل وتغافل مريب من التحالف الدولي الذي يقف موقف المتفرج تجاه المنطقة وأهلها وهو الذي ادعى بأنه يريد نَقلَ واقع المنطقة إلى حال أفضل من النواحي كافة، من خلال ضبط الجانب الأمني ومعالجة الملفات الأخرى..! وقد ساعد قسد في ذلك أطراف عدة من الفاسدين من أبناء جلدتنا من الوجهاء والفعاليات الاجتماعية الفاسدة التي أضحت داء العصر ومرض المنطقة ووجعها بامتياز ، والقيادات العربية في جميع المفاصل والتي ارتهنت لمصالحها ونزواتها تاركة المنطقة وأهلها بيد اللاعبين الجدد ومن ساندهم من الأطراف الأخرى من حيث تدري ولا تدري، حتى أضحى الوضع الأمني ألعوبة بيد هؤلاء يحركونه كيف شاؤوا ! ضمن خيوط بيد هؤلاء الذين تحركهم قسد كيف أرادت ومتى شاءت! حسب مجريات الأمور على الأرض كل ذلك بما يضمن استمرار تسلطهم ووصايتهم على المنطقة وأهلها،
وإننا نوجز دواعي ومكاسب الفلتان الأمني للأسباب الاتية:
1- أهمية المنطقة من الناحية الجيوسياسية في لعبة الصراع الدائر بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.
2- الأهمية الاقتصادية للمنطقة حيث النفط والغاز والقمح وغيرها من الموارد الهامة والتي تُعدّ من أغنى مناطق البلاد، والعمق الاجتماعي والعشائري لسكانها ودورهم المؤثر والفاعل في لعبة الصراع .
3- الاستفادة من المعطيات السابقة في قضية التفاوض بين مختلف الأطراف المتصارعة والمتنافسة في المنطقة وخاصة بين قسد والنظام .
4- محاولة إفراغ المنطقة من النخب والكفاءات العلمية والإدارية لتقديم المنطقة على أنها هزيلة عاجزة عن إدارة نفسها ، لتسهيل دور الوصاية عليها .
4- الاستفادة من الفلتان الأمني في إبعاد النخب عن المشهد السياسي والإداري في المنطقة وتقديم النخب الفاسدة والمنتفعة والتي تتقاسم مع قسد المصالح والنفوذ والمكاسب.
5- يُعدُّ الملف الأمني من أهم العوامل المساعدة لسياسات الأطراف الفاعلة واللاعبة لتمرير سياستها وأجندتها في المنطقة فمن خلاله تفرض هذه الأطراف سياسة الأمر الواقع.
6ـ محاولة التخلص من قيادات الثورة المتواجدين في المنطقة الذين مازالوا يتمسكون بالثورة فكراً وسلوكاً و..
وختاماً نقول: إنّ أهمية المنطقة من الناحية الجغرافية والاقتصادية والعشائرية ودورها المؤثر والفاعل في لعبة الصراع المحلية والإقليمية والدولية، هي من جلبت عليها ضباع العالم في تنافسٍ محمومٍ مستعر للسيطرة على هذه المنطقة وأهلها، دون أن يعي الشركاء كلهم دون استثناء أن هذه اللعبة القذرة التي تلعبها هذه الأطراف جميعها، بما فيهم أبناء جلدتنا بسذاجتهم وغفلتهم باتت واضحة وضوح الشمس، وإن السيطرة عليها وفرض سياسات وأجندة الآخرين عليها ضرب من العبث، والتاريخ يشهد كيف استطاعت هذه المنطقة أن تجتاز المحن والنكبات بفضل أهلها «الشرفاء» بمختلف صنوفهم من الكفاءات والخبرات والنخب الموجودة فيها والتي أشرق نورها حيث حلت في أرجاء المعمورة، ولن تستطيع هذه الأطراف كل الأطراف أن تثني هذه الرقعة الحية والفذة من بلادنا عن شقّ طريقها وتحقيق أهدافها، دون أن يعني ذلك جنوح أهلها إلى الصّدام مع الآخرين، بقدر ما يعني أن تعرف هذه الأطراف حدودها التي تجاوزت كل حدّ، و قدرة هذه المنطقة وأهلها على قلب الطاولة على رؤوس اللاعبين أنّى كانت هويتهم، وطبيعة أجندتهم وسياتهم في سبيل نيل حقوقهم ودورهم.. فهل تعي هذه الأطراف ذلك؟!
لتحميل المقال مباشرة pdf
[الواقع الأمني و دوره في رسم خريطة الصراع في مناطق سيطرة قسد في ريف دير الزور]
This Post Has 0 Comments