Skip to content

دير الزور ومقارعة الاحتلال الفرنسي: دور بطولي في ملحمة الاستقلال

لعبت دير الزور، تلك المحافظة الواقعة في شرق سوريا على ضفاف نهر الفرات، دورًا بارزًا في تشكيل الوعي الوطني والعمل المقاوم، وأسهمت بفاعلية في حركة النضال السوري ضد الاحتلال الفرنسي منذ لحظة دخوله الأراضي السورية عام 1920 وحتى تاريخ الجلاء عام 1946. فقد كان نشاطها ليس فقط بالسلاح، بل أيضًا بالكلمة والموقف الوطني، إذ كانت العشائر العربية في المنطقة تتمتع بروح استقلالية ورفض للسيطرة الأجنبية، وهو ما انعكس في مواقفها من الفرنسيين.
وإضافة إلى دور أبناء المحافظة في مقاومة الاحتلال الفرنسي على أرضها، كان لها أيضًا دور بارز في التعاون مع الثوار في المناطق المجاورة، حيث شكّلت دير الزور عمقًا استراتيجيًا للثورات التي اندلعت في الجنوب والوسط، وخاصة الثورة السورية الكبرى عام 1925. فقد احتضنت الثوار الفارين من الملاحقات، وقدمت لهم الدعم اللوجستي، وشاركت في إيصال الرسائل والأسلحة، كما انطلقت منها تحركات داعمة للثوار، ما دفع الفرنسيين إلى تعزيز وجودهم العسكري في المنطقة.

انطلاق شرارة المقاومة
منذ بداية زحف الفرنسيين تجاه دير الزور، كان أبناء المدينة والعشائر يتجهزون لملاقاتهم ومقاومتهم لمنعهم من دخولها. ومن أوائل القوى المنظمة التي تشكلت آنذاك كانت قوات الفرات المتحركة التي أسسها القائد رمضان شلاش، وتضم 400 جندي مزودين بمدفعين ومدعومين بأبناء العشائر. وقد كانت مهمتها الزحف إلى دير الزور وطرد الفرنسيين منها.
وفي أواخر أيلول من عام 1920، غادر رتل عسكري فرنسي متجهًا إلى دير الزور، ولم يبلغها إلا في الخامس من تشرين الأول، نظرًا إلى المقاومة الشرسة التي لقيها من قوات العشائر، وخاصة في يومي 24 و26 من أيلول.
ويذكر أحد الباحثين الذين أرّخوا لتلك المرحلة أن شدة الهجمات التي تلقاها الفرنسيون في دير الزور دفعت القائد العام للقوات الفرنسية إلى التفكير جديًا في ضرورة تمركز حامية دائمة في دير الزور، ووجه تعليمات للجنرال دي لاموت، الذي استقدم مجموعات من الآشوريين وسمح لهم بالاستيطان في وادي الخابور.
كما تذكر المراجع التاريخية أن الجنرال غورو شدد على ضرورة الاحتفاظ بدير الزور، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها الفرنسيون فيها. وعندما اطلع وزير الدفاع الفرنسي على قراره، أعرب عن تخوفه من تبعاته، ما أزعج غورو الذي لم يُخفِ امتعاضه من “درس التكتيك” الذي تلقاه من الوزير في برقياته.
ثوار ديرالزور
مقاومة دير الزور
في 23 تموز 1921، زار الجنرال دي لاموت، قائد القوات الفرنسية في المنطقة الشرقية وحلب الشمالي، مدينة دير الزور، في محاولة لإظهار أن المنطقة قد هدأت وانتهت فيها المقاومة. لكن سرعان ما ثبت أن هذا الهدوء كان خادعًا، فعادت العشائر العربية إلى المقاومة، ولم تبقَ تحت سلطة المتصرف سوى المدينة، بينما عمّ الانفلات الأمني في الأرياف.
وقد أقر قائم مقام البوكمال بعجزه التام عن تحصيل الضرائب، في وقت كانت فيه القوافل الفرنسية تتعرض لهجمات متكررة في البادية وتدمر ومحيط دير الزور.
وفي العاشر من أيلول 1921، هاجم أبناء دير الزور مفرزة من الحامية الفرنسية خارج المدينة، وأوقعوا خمسة وعشرين قتيلاً من الفرنسيين وقواتهم الرديفة. وردًا على ذلك، شن الطيران الفرنسي غارات غير مسبوقة، لكن أبناء دير الزور لم يصمتوا، بل تسللوا ليلًا إلى مدرج الطيران وأحرقوا أربع طائرات، مما اضطر الجنرال دي لاموت إلى العودة إلى المدينة على رأس فصيلة مدرعات ورشاشات لتعزيز الروح المعنوية للقوات الفرنسية.
نداء الفرات/ ثوار ديرالزور
ما قدمته دير الزور من تضحيات في مواجهة الاحتلال الفرنسي هو صفحة مضيئة في سجل الكفاح الوطني السوري، ودليل على أصالة الانتماء وروح العزّة التي تحلّت بها عشائر وأهالي المحافظة. وفي ذكرى الجلاء، لا بد أن نستعيد هذا التاريخ بكل فخر، لا لنمجده فقط، بل لنستلهم منه معاني الصمود والوحدة، ونحن نواجه اليوم تحديات جديدة لا تقل خطورة عن الاحتلال. فكما صمدت دير الزور في وجه الغزاة بالأمس، ستبقى عصيّة على كل محتل أو مستبد يحاول النيل من كرامة أهلها ووحدة أرضها.

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top