أكثر من 13 شهرٍ مرّت على بدء حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة المُحاصر، وأكثر…
قسد والعزف على الوتر الأمني
يُعرّف الأمن على أنّه مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تتخذها السلطة لتأمين الحماية للمواطنين بما يكفل لهم حياة آمنة ومستقرة.. وقد عُدَّ الأمنُ الغايةَ التي سعت إليها الحضارات والأمم على مرّ العصور، وهو يمثل أحد أهم المقومات الأساسيّة لنجاح عملية التنمية والنمو والارتقاء في مختلف المجالات..
ـ ومنذ أن وطئت قسد المنطقة مدعومةً من التحالف الدولي كان شغلها الشاغل كيف تعمل على تحويل المنطقة وأهلها إلى تبعٍ لها، وكيف لها أن تنفّذ سياساتها وأجندتها في المنطقة بأقصر الطرق وأسرعها، وكيف لها أن تستثمر خيرات المنطقة ومواردها دون عوائقٍ أو موانع تحول دون ذلك.
لقد استفادت قسد من حالة الصراع المحتدم بين مختلف الأطراف المتنافسة والمتصارعة على هذه الرقعة الجغرافية الهامة من النواحي كلها، فهذه الأطراف من خلال تصارعها أوجدت وضعاً أمنياً كان الجسر الذي تعبر منه قسد لتحقيق هذه الأهداف وغيرها، هذا الوضع قدم المنطقة لقسد على طبق من ذهب، لتنفيذ ما تريد كيف تشاء، فقد مضى على سيطرة قسد على المنطقة ما يزيد على سنتين ونصف والأمور والأحوال من سيءٍ إلى أسوأ، و في تراجعٍ مستمر في ظل سيطرة المجموعات الفاسدة على المؤسسات والإدارات وجُلُ اهتمامها وشغلها الشاغل كيف تجمع المال في سباقٍ مع الزمن بالتعاون مع الكوادر الكردية التي أغرقت المنطقة فساداً وجهلاً وفقراً وجوعاً ومرضاً.. حتّى أضحت المنطقة أشبه بأفقر الدول الإفريقية، هذا إن لم تكن أسوأ في ظل حالة الفلتان الأمني السائد و قد أصبح الأمان هو الحلم المنشود في المنطقة، وجُل ما يرغب به أهل المنطقة وما يتمناه المواطن اليوم، في ضوء مشهد الاغتيالات التي أضحت حدثاً شبه يومي، هذه الأوضاع والحال كذلك خلّفت رفضاً شعبياً واسعاً لقسد وسياساتها في المنطقة بالرغم من الوعود الجوفاء بواقعٍ أفضل ومستقبلٍ مشرق لوجهاء المنطقة وأعوانها ولكن بقيت، وستبقى حبراً على ورق فلهؤلاء سياساتهم وأجندتهم ومطامعهم وأحلامهم.. التي حكماً لن تلتقي مع واقع المنطقة وأحوالها وطموحاتها.. فإن بقاء المنطقة بهذه الحال هو أحد أهدافهم الكبرى في المنطقة لكي تبدو الأوضاع مزريةً وتحتاج إلى ما تحتاج من التبعية والوصاية و أن سكانها غير قادرين على إدارة شؤونهم، و إلى أمد غير مسمّى.. كل ذلك حسب فهمهم وتصورهم لأحوال المنطقة وأهلها.
والكارثة أنهم نجحوا في خداع قسمٍ لا يُستهان به من أبناء جلدتنا خداعاً مؤسفاً بامتياز! وهذا أقل ما يقال فيه وطرح هؤلاء سؤالا سطحياً: من البديل؟ والجواب ببساطة أن المنطقة فيها من النخب والكفاءات القادرة على أن تقود بلداً بأكمله، فلو وُجدت الرغبة والصدق في تولي المكون العربي قيادة وإدارة مناطقه هناك من الطرق والآليات لإنجاح هذه المهمة ما لا حصر له.. ولكن حتى نعيش هذه اللحظة التعيسة قادنا تفكيرنا الساذج إلى هذا الطرح الذي يُبقي المنطقة تبعاً لهم.
وقد وجدت قسد غايتها ومبتغاها في الفلتان الأمني السائد الذي لا يأمن المرء فيه على روحه وماله حتى ضمن جدار منزله، فأيّ حال وصلت إليه مناطقنا، فقد صنعت قسد من التنظيم وحشاً مفترساً ينهش المكون العربي أينما وجد ومتى سنحت له الفرصة في ذلك! بينما يهنأ كوادر قسد وسياراتهم وشاحنات النفط التي تسلب خيرات المنطقة بالأمن والأمان مما يضع ألف إشارة استفهام حيال ما يجري ويحاك حولنا، دون أن يعني ذلك أننا نحرّض على العنف بقدر ما يعني أننا نريد أن نفسر ما يدور ويجري حولنا.
لقد نجحت قسد وطوال الفترة الماضية في العزف على الوتر الأمني لفرض وجودها كـسياسة أمر واقع وتنفيذ أجندتها وسياساتها دون رقيب أو حسيب في ظل غياب الدور العربي وتشتته في ظل الأحوال السائدة و غياب فاعليته في إمساك زمام المبادرة بما يؤدي إلى أخذ دوره في إدارة وقيادة مناطقه وبما يحفظ وجوده واستقراره.. ففساد بعض الشخصيات والفعاليات الاجتماعية وجريها وراء مصالحها ونزواتها وتبيعتها لقسد، إضافة إلى انقسام المجتمع على نفسه حيال الأطراف المتنافسة والمتصارعة، وسياسة النأي بالنفس التي تنتهجها النخب الفاعلة حيال الوضع السائد كل ذلك شتت الدور العربي وأضعف دوره وفعاليته في المرحلة الراهنة على الأقل، دون أن ننسى الوضع الأمني الذي سحق المنطقة سحقاً، وهو ما يدور حوله مقالنا هذا.
ليكون الخاسر الأكبر والأوحد في ظل لعبة الصراع هذه؛ المنطقة وأهلها والتي تعيش فلتاناً أمنياً غير مسبوق في المنطقة وتكون قسد الرابح الأكبر في ظل استمرار هذه الأوضاع.
ليلحق ذلك سؤال مهم من المستفيد من الفلتان الأمني السائد وبالتالي من حالات الاغتيال هذه؟! والتي أضحت حدثاً شبه يومي في فيلم مرعب يعيشه سكان المنطقة؛ ضحاياه المكون العربي بكل أطيافه، ويتبعه سؤال آخر ما هو دور السلطة الحاكمة “سلطة الامر الواقع” و المسيطرة على الأرض؟! فيما يجري وهي تقف موقف المتفرج حيال الأوضاع الراهنة، وهنا نقصد التحالف الدولي؛ لأن قسد ومصداقيتها أضحت في الحضيض كيف لا و هي لديها ما لديها من الأخطاء الإخراجية في المنطقة ما يضعها في هذا الموضع؟! وخذ على سبيل المثال لا الحصر على ذلك حملة الاعتقالات في عملية ردع الإرهاب وما رافقها من تصوير المدنيين على أنهم خلايا إرهابية وقد وضعت السلاح والذخيرة أمامهم، وبعد افتضاح أمرها قامت بالإفراج عنهم! ومن سمح لوصول الأمور إلى هذا المستوى من السوء، هو قادر وبجزءٍ بسيط من قوات المجلس العسكري (ربع قوات المجلس العسكري فقط) أن يضبط الأوضاع، إن وجدت الرغبة والصدق في تبديل الأوضاع وضبط الجانب الأمني، ولكن هيهات!
على أن دور التحالف دورٌ سلبي بامتياز وهو يقف موقف المتفرج حيال هذه الأوضاع، وأضحى وكأنه لايرى المنطقة وأهلها إلا بعيون قسد، وكل ذلك يجري برغبة أمريكية لغايات في أنفسهم بدت تظهر يوماً بعد يوم وليس آخرها قيام شركة أمريكية بتوقيع عقدٍ مع مظلوم عبدي للاستثمار في مجال النفط لتكون المنطقة وأهلها آخر من يعلم بذلك! ضمن مشهد يعكس الكوميديا الساخرة من حالنا وأمرنا.
فلا يمكن بحال من الأحوال أن تسير الأمور بهذه الصورة المزرية والتي فُقد فيها الأمن والأمان وأضحى حلماً ينشده التواقون للعيش بحياةٍ حرة وآمنة وكريمة، وفي كل يوم تفجع المنطقة بقتل أحد أبنائها على مرآى ومسمع الجميع من أجل طموحات وسياسات ونزوات الآخرين، على أن هذه الحال لن تكون إلا ضمن “لكل جواد كبوة ولكل فارس نبوة” ومع هذا وذلك مازال الخير حاضراً في مجتمعنا ففيه من النخب والكفاءات والفعاليات الاجتماعية القادرة على قلب ميزان الأمور لصالح المنطقة و أهلها.
كتبه لنداء الفرات الناشط الميداني: محمد الرحبي
This Post Has 0 Comments