شهدت مدينة البوكمال يوم الخميس ٢٠٢٤/١١/٧ اشتباكات بين أبناء عشيرة الحسون إحدى بطون قبيلة العكيدات…
دراسة استقصائية لشبكة “نداء الفرات” تسلط الضوء على منطقة “العزبة” المنسية.
منطقة العزبة
ـ تعتبر من أهم مناطق ريف ديرالزور حيث تشكل بوابة مدينة ديرالزور الشمالية، وعقدة مواصلات تربط بين مناطق الريف الغربي والشرقي والشمالي، وتأتي أهميتها من خلال وجود حقول النفط والغاز كحقل “العزبة” النفطي ، و معمل غاز “كونيكو”، نزح إليها الكثير من أهالي القرى والبلدات التي هجرها إجرام الأسد وميليشياته ليقيموا بيوتهم ومحلاتهم ومشاغلهم على الطريق العام في البلدة ممّا أدى إلى نشوء مدينة جديدة توفرت فيها كل المقومات ( المادة الخام – اليد العاملة- السوق المحلية ) حيث يوجد في تلك المنطقة المدينة الصناعية، ومنطقة المعامل، كما يوجد فيها صوامع الحبوب والمطحنة ومحلجة الأقطان والعديد من الفعاليات الزراعية الهامة، وعليه يجب توجيه دعم من نوع خاص لتثبيت الاستقرار في المنطقة وتحسين الوضع الاقتصادي للسكان ولا يتم ذلك إلا بدعم المنطقة من كافة النواحي .
دراسة ميدانية تفصيلية لمنطقة العزبة:
غير خافٍ على أحد أن الأرض السورية غدت ساحة قتال ومعارك بين كافة الأطراف المتصارعة والطامعة في سوريا؛ بل تحولت إلى ساحة حروب بالوكالة، وحلبةً للمنازعات والتجاذبات الإقليمية والدولية، مما جعل هذه البلاد مسرحاً لعرض جميع صنوف الأسلحة وتجربتها على شعبنا وأرضنا بيد أقذر البشر من عصابات الأسد والاحتلال الروسي الإيراني مدعوماً بدول شتى.
هذه الحرب التي شنها الاحتلال على الشعب السوري أدت لقتل وتشريد الملايين من السوريين، فمنذ تسع سنين مازال هذا الشعب الأبي يدفع في كل لحظة من لحظات وجوده أغلى و أنفس ما يملك من الأرواح والدماء والثروات وقد أنتجت هده الحرب تغريبة وصراعاً لم تتضح فصوله بعد، صراع جعل المواطن السوري يصل إلى شتى أصقاع الأرض بحثاً عن ملاذ آمن ولقمة عيش يسد بها رمقه ورمق أطفاله، وهذا البحث قاد أهله، إمّا إلى الهجرة إلى غير عودة، وإما التشبث بأرضه، ومن لم تساعده الظروف للوصول إلى أرض الأحلام، فقد نزح وهاجر داخل وطنه في مناطق أقل عنفاً وقصفاً، هجرة جسّدت أعمق مأساة شهدها التاريخ الحديث، مأساة رسمت ملامحها على واقع ومعاش السوريين وعلى جباه أطفالهم.
وفي عُجالة نقول: في ظل هذه الحرب المستعرة والصدام المحتدم لم تكن محافظة ديرالزور بمنأى عن ذلك كلّه، كيف لا ؟! وهي تحتل أهمية كبيرة اقتصادية وجغرافية.. مما دفع بأهلها لمغادرتها مكرهين مجبرين في ظل تواتر الاحتلال بعد خروج ثوارها الذين حرروها، ففي الحملة الأخيرة التي قادها النظام وحلفاؤه من الروس والمليشيات الإيرانية من جهة ، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” مدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى في محاربة تنظيم الدولة وانتزاع الجغرافية وتوسيعها قبل وصول الطرف الآخر إليها، وفي ظل هذا السباق بين الأطراف كلها أسرع النظام مدعوماً بحلفائه بالعبور إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات “منطقة الجزيرة” (شرق الفرات) ، محاولاً الوصول إلى حقول النفط والغاز الغنية في المنطقة ، فسيطر على عدة قرى تقع على ضفة شرق الفرات فيما فشل بالوصول إلى “الثروة المرجوة” وهذه القرى -بدءاً من الغرب- هي: الحسينية، الصالحية، حطلة، مراط، مظلوم، خشام، الطابية.
ونتيجة لسيطرة النظام وحلفائه على هذه المناطق، فقد هرب سكانها وأهاليها هائمين على وجوههم باحثين عن مأوىً بعيداً عن إجرام عصابات الأسد وميليشيات إيران التي بسطت سيطرتها على هذه الرقعة الجغرافية، هاربين إلى مناطق وقعت للتو تحت سيطرة قسد المدعومة من التحالف الدولي، لتغدو هذه المناطق المكان الآمن للفارين من القرى المذكورة، فأنشئت تجمعات سكنية كبيرة فوق التجمعات التي كانت موجودة بالأصل وهي عبارة عن مزارع صغيرة تشكلت إثر حفر آبار ارتوازية للأهالي القاطنين مسبقاً، حيث سنُفصل في هذه التجمعات السكانية بدءاً من جغرافية المنطقة، ووصف الحالة الاقتصادية ، والاجتماعية لسكانها ووضع الخدمات الأساسية فيها، وما قدمته السلطة المحلية “قسد”، ودور المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، وأهم الاحتياجات الملحة لسكان هذه المناطق، ونختم هذا التوصيف بتوصيات لكل من يرغب بمد يد العون لهذه المنطقة وسكانها.
العزبة من الناحية الجغرافية:
تبعد منطقة العزبة عن مركز مدينة ديرالزور قرابة /15/ كم، كما تبعد عن ضفة نهر الفرات الشرقية من /3 ـ 5/ كم، حيث يتوزع سكان ريف دير الزور الغربي والشرقي على سرير النهر الممتد على طول ضفتي الفرات، ويتراوح عرض السرير بين ال /2 _ 5/ كم تقريباً، ويقسم نهر الفرات ريف المحافظة إلى قسمين: الأول هو منطقة الشامية والتي تقع غرب الفرات الخاضعة لسيطرة ميليشيات الأسد وإيران والقسم الثاني: الجزيرة أو ماتسمى بمنطقة شرق الفرات.
عندما حاول النظام المجرم مدعوماً بالاحتلال الروسي السيطرة على الحقول والمنشآت النفطية شرق النهر أسرع بالعبور إلى منطقة الجزيرة من خلال الدعم المقدم له كبناء الجسور بهدف الإسراع في الوصول إلى الثروة التي كان التحالف قد استولى عليها بعد إخراج تنظيم داعش من المنطقة، إلا أن عبور الميليشيات قد أمن لها السيطرة على عدة قرى وهي : “الحسينية، الصالحية، حطلة، مراط، مظلوم، خشام، الطابية” .
ومع استمرار المعارك هرب السكان إلى بادية هذه القرى وهي رقعة شبه صحراوية ممتدة شمالاً حتى قرية “الرويشد” بريف ديرالزور الشمالي وتبتعد جنوباً عن أطراف المناطق المأهولة /2 _ 4/ كم تقريباً، وهي عبارة عن تجمعات سكانية صغيرة يعمل أهلها بالزارعة المروية اعتماداً على مادة المازوت لعدم توفر الطاقة الكهربائية فيها، وفي أثناء موجة النزوح قام النازحون الجدد من أهالي المناطق التي سيطر عليها النظام بالسكن في هذه التجمعات ومن أهمها منطقة “كونيكو” وهي المنطقة القريبة والمحيطة بحقل الغاز ومنطقة “العزبة” نسبة لحقل العزبة النفطي، وهي أكبر التجمعات بالإضافة لتجمعات “معيزيلة، مرار، عضمان، كشة” ، وبعض التجمعات السكنية التي أُقيمت على طرفي طريق الحسكة القديم، وطريق الحسكة الجديد المعروف بـ “الخرافي” // تجمع البو بدران// ، وهنا يمكننا القول: أن الامتداد الجغرافي لمنطقة العزبة متضمناً كافة التجمعات السكنية يتراوح طوله من الشمال إلى الجنوب بين ( 20 _ 30 ) كم، ويبدأ من جهة الغرب من غرب المدينة الصناعية ممتداً إلى بلدة جديد عكيدات ومحطة الغاز شرقاً بطول يتراوح بين ( 20 _ 25 ) كم.
العزبة من الناحية الاجتماعية والسكانية والاقتصادية:
ينحدر غالبية سكان منطقة العزبة من القبائل العربية، حيث ينتمي معظم سكانها لعشائر “البكارة” مثل أفخاذ “الخنجر والبو رحمة والراشد والبو بدران”، إضافة إلى “العنابزة” المنتمين لعشيرة البكير من قبيلة العقيدات، إضافة إلى الكثير من العشائر الأخرى من الذين استوطنوا مع النازحين الجدد وتربطهم بهم صلة المصاهرة .
بدأت هذه التجمعات تأخذ شكل تجمعات متوسطة ثم مالبثت أن أصبحت كبيرة ذات كثافة سكانية في ظل استمرار النزوح لعدة سنوات، إذ يتراوح عدد سكانها بالمجمل بين //25000 // ألف نسمة إلى// 35000// ألف نسمة.
يعمل غالبية أهل العزبة بالزراعة والرعي وتحتل الزارعة مكانة هامة في حياة الأهالي، وسبب ذلك وجود الآبار الارتوازية التي أنشئت لهذا الغرض، فيزرعون القمح والشعير، متعمدين على مادة المازوت لتشغيل المحركات واستخراج الماء وسقاية المحاصيل، فكل عائلة تمتلك بئراً ارتوازياً تقوم بفلاحة ما يقارب ( 100 _ 200 ) دونم، وتتألف العائلة الكبيرة في غالب الأحيان من عائلات صغيرة، وهم الأبناء الذين تزوجوا وبقوا مع آبائهم بهدف العمل والتشارك في مصدر رزقهم وعيشهم المعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية كالأغنام والأبقار .
وفي التفصيل: فإن المورد الرئيسي لهؤلاء السكان هو الزارعة التي تعتمد على مادة المازوت التي وصل سعر اللتر الواحد منها إلى/200/ ليرة سورية، علماً أنهم يقطنون على أطراف حقل العزبة النفطي !! هذا ويعتمد الفلاح على نفسه في تأمين البذار والسماد في ظل ارتفاع أجور الفلاحة، كما يتكفل بأمور الحصاد والتسويق ناهيك عن السعر المتدني للقمح في موسم الحصاد مقارنة بتسعيرة النظام، أضف إلى ذلك الفساد المستشري في كل مؤسسات السلطة الحاكمة الأمر الذي يشكل عبئاً يثقل كاهل الفلاح المنهك أصلاً.
أما بالنسبة للثروة الحيوانية هي الأخرى فقد تعرضت لتناقصٍ كبيرٍ في أعدادها خلال السنوات الماضية، حيث تأتي الأغنام في مقدمتها والأبقار بنسب أقل، فهذه الثروة تعتبر مصدر رزق لسكان المنطقة، ولكن عدم مساعدة السلطات المحلية زاد الوضع سوءاً، في ظل انعدام أو قلة اللقاحات والأعلاف مما اضطر كثيراً من الأهالي لبيعها أو التقليل من أعدادها بحيث يتوافق مع الوضع الاقتصادي ومورده اليومي.
وفي الحديث عن وضع الخدمات سواءً التعليم أو الصحة ومياه الشرب وغيرها فتكاد أن تكون شبه معدومة في منطقة التجمعات وخاصة منطقة العزبة على الرغم من الوجود الكثيف للأهالي والنازحين، عدا بعض الإجراءات من قبل قسد والتي وصفت بعمليات تجميل وترقيع قامت بها لتزيد من تعقيد الوضع الخدماتي ولتثقل بها كاهل السكان أكثر، ويعود ذلك -بحسب مصادر أهلية – إلى الفساد المستشري في صفوف سلطة قسد المحلية والذي يعد أبرز هذه التحديات بدءاً من المختار (الكومين) وهو أصغر مفصل في هرم السلطة حيث يعتبر ممثلاً ومسؤولاً عن أصغر تجمعٍ سكني، فهؤلاء تم اختيارهم من طبقة سيئي الصيت من أبناء المنطقة -بحسب الأهالي – .
فلا مراكز صحية سوى مركزٍ صحيٍ واحدٍ لكل هذه التجمعات لا يسمن ولا يغني من جوع، في منطقة تعاني انتشار الأمراض والأوبئة فيها لاسيما مع انتشار وباء “كورونا” الذي بات يهدد أعظم الدول فضلاً عن تجمعات سكنية بلا خدمات ومن قبله مرض “اللشمانيا” الذي فتك بأجساد الأهالي وخاصة الأطفال، في صورة ترسم عمق المعاناة والمأساة التي يعشيها الأهالي في التجمعات والذي يعكس صورة مأساوية عن الوضع في مناطق تعوم على ثروة لا تقدر بثمن، بالتزامن مع رداءة وقصور القطاع الصحي في المنطقة رغم مناشدة الأهالي في تحسين هذا القطاع وتحسين الظروف الصحية التي تمر بها المنطقة.
إضافة إلى انعدام التعليم لأبناء العزبة والتجمعات القريبة منها عدا ما قام به الأهالي – على نفقتهم الخاصة – من بناء لمدارس طينية موزعة في هذه التجمعات، على الرغم من قلة الكادر التعليمي، وقلة المستلزمات المدرسية بكافة صنوفها لعدم توفر الداعم الحكومي أو المنظمات الإنسانية التي يمكن أن تسد ولو بشكل جزئي من مأساة انعدام التعليم في المنطقة.
أما الأمور الخدمية فهذه قصة دون خاتمة – بحسب مايروي أحد الأهالي – فلا طرقات تربط بين هذه التجمعات ومراكز الريف القريبة منها لتسهيل الحركة وتأمين الاحتياجات الضرورية واليومية للسكان سوى بعض الطرق الترابية الوعرة، والتي تصبح سالكة بصعوبة في فصل الشتاء نتيجة الأمطار وآثارها مما يسبب إشكالية في استخدامها .
بينما يروي أحد أهالي التجمعات مأساة مياه الشرب فيقول: “ذلك فصل يصعب وصفه” حيث يعتمد السكان في تأمين مياه الشرب التي بدأت تُباع مؤخراً بأسعار أنهكت الأهالي وجعلت منهم عطشى في ظل الحاجة الماسة إليه، علماً أن نهر الفرات لا يبعد إلا بعض الكيلو مترات عن المنطقة، مع مرور خط مياه يصل إلى حقل “كونيكو” لم يستعمل حتى وقت كتابة هذه السطور، وهذا الخط فيما لو فُعّل فإنه حكماً سيحل مشكلة تعد من أكبر التحديات التي تواجه سكان المنطقة.
وفيما يتعلق بدور المنظمات الدولية والمحلية في منطقة العزبة فهي الأخرى قصرت بقصد أو بغير قصد وربما تعجز مئات المنظمات عم العمل إلا بإذن أو ترخيص من قبل قسد لاتستطيع من خلاله الوصول إلى المحتاجين والفقراء، فأُهملت المنطقة إهمالاً واضحاً نجد أثره في عيون أهلها وأطفالها، على الرغم من الحاجة الملحة لعمل هذه المنظمات للتخفيف من معاناة الناس ومساعدتهم على التكيف مع الوضع الجديد ودعم استقرارهم وعيشهم.
كل هذا وغيره ساهم بشكل كبير في انتشار الأوبئة والأمراض، والجهل والأمية، والبطالة والمخدرات مما ينذر بمستقبل كارثي للمنطقة وأهلها إن لم يتم تدارك الأمر وتدخل من يحكم المنطقة، قبل فوات الأوان .
دور السلطة المحلية “قسد” في المنطقة :
منذ دخول قوات سورية الديمقراطية مدعومة من التحالف الدولي هذه المناطق كانت نظرة الناس إلى هذا الوافد الجديد نظرة تفاؤلية بعد أن عانوا ماعانوه من إجرام داعش لسنوات وقبله النظام المجرم إلى أن تنفسوا الصعداء بتحرير أرضهم بين عامي (2013 _ 2014)، فقد استبشر الأهالي خيراً وأملاً – إبان سيطرة قسد – في طي صفحة من صفحات الألم والمعاناة التي ذاقها الناس، ولكن هذه النظرة سرعان ما انجلت كسحابة صيف، لتزيد الألم ألماً والمعاناة عمقاً، فقسد لم تكن بالمستوى المأمول والذي كان ينتظره السكان منها بالتزامن مع توفر المقومات العظمى في المنطقة من الثروة النفطية ونهر الفرات والأراضي الزراعية الشاسعة واليد العاملة، بل على العكس كان المستوى أدنى من المتوقع بكثير وسط عجزٍ أو تعمدٍ مقصودٍ لدى جميع الأطراف في تحقيق ما تحتاجه المنطقة وأهلها وتأمين واقع جديد يتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها أهلها، ومع حجم الإمكانات والموارد الموجودة، فإهمال القطاعات والمشاريع الاقتصادية وترك السكان في ظروف معيشية واجتماعية متردية وعيشهم على الفتات يترجم المسار الذي تتبناه قسد ومن خلفها الولايات المتحدة في سلب خيرات المنطقة مستغلة بذلك اضطرار الناس للرضى بالبقاء تحت سلطتها خوفاً من بطش عصابة الأسد، مع ما يتخلل ذلك من الدعم الضئيل في محاولةٍ لترقيع وتجميل المشهد المأساوي فيما وصفه كثيرون بأنه: “ضحك على اللحى لا أكثر” .
This Post Has 0 Comments