Skip to content

التحالف الدولي في دير الزور بعد ثلاث سنوات من الوجود واقعٌ و طموح

منذ الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي عام 2014 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمقاتلة “تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” ، وقد انضم عدد غير قليل من دول العالم، والتي أعدت العدة لدحره والقضاء عليه، ومع وصول أولى طلائعه إلى المنطقة كانت طائراته تستخدم سياسة الأرض المحروقة رغبة منها في استخدام أقصر الطرق وأسرعها في القضاء على تنظيم داعش، والذي بدأ نفوذه بالانحسار، مما ألجأه إلى اتخاذ تكتيكات عدة لتفادي ضربات طائرات التحالف،

ومع هذه التكتيكات الجديدة عمد التحالف إلى ضرب التنظيم بلا هوادة في سبيل إزاحته من الجغرافية التي ييسيطر عليها شرق الفرات، وهنا كانت النتائج مأساوية بامتياز، فقد زاد عدد القتلى في صفوف المدنيين، ودُمرت البنى التحتية التي اتخذ منها التنظيم مقراً ومخبأً له آنذاك تدميراً كاملاً، وما زاد الطين بلة أن التنظيم نفسه، شارك في هذا التدمير فقد هدّم خزانات المياه وجميع جداران مؤسسات القطاع العام، وهكذا تعاقبوا على سحق البنية التحتية التي لم تسلم كذلك من قصف طائرات النظام المجرم من قبلهم حيث طال الخراب جميع المرافق العامة والخاصة في صورة ترسم مأساة التغريبة السورية في أعمق صورها..


وفي هذه الأثناء كانت قوات سورية الديمقراطية تحقق تقدماً ملحوظاً عى التنظيم الذي بدأ يتقهقر أمام ضربات التحالف الدولي الجوية، ومما عجل بانحسار التنظيم أن النظام وحلفاءه من الروس والإيرانيين قد بدأوا بالتحرك سريعاً في غرب الفرات رغبة منهم في كسر الطوق الذي ضُرب على مدن النظام التي أنهكها الحصار، فحققوا على الأرض تقدماً ميدانياً سريعاً على حساب التنظيم، و في هذه الأثناء كانت الأطراف كلها تعيش سباقاً محموماً في السيطرة على الجغرافية وانتزاع أكبر قدر ممكن من الأراضي التي كان التنظيم يستولي عليها، من هنا كانت العيون كلها تتطلع إلى حقول النفط والغاز فعبر النظام وحلفاؤه إلى شرق الفرات أملاً ورغبةً في السيطرة على حقلي العزبة وكونيكو بعد سيطرتهم على عدة قرى في شرق الفرات، إلا إن التحالف الدولي ومن معه كانوا أسرع منهم في رفع راية السيطرة على هذه الحقول مما أضعف فرصة حصول النظام على هذه الحقول، ومع التقدم السريع الذي تحققه قواته كان “حقل العمر” النفطي الوجهة الثانية، لكن لم تسعفه سرعته وحساباته في الحصول على النفط فذهبت أحلامه أدراج الرياح وكانت له محاولتين فاشلتين لاحقاً؛ الأولى: التوسع شرق الفرات انطلاقاً من بلدة الطابية، وقد تصدى له التحالف الدولي فتمّت إبادة رتل كاملٍ وقتل مرتزقة من الاحتلال الروسي كانوا فيه وشاركوا في هذه العملية، والثانية: في الريف الغربي وباءت كذلك بالفشل، وبالاستناد على ما سبق فقد تم تقاسم الجغرافية في مناطق دير الزور غرب الفرات بأكمله بيد النظام وحلفائه، خلا بعض الجيوب في البادية التي تسيطر عليها بعض بقايا التنظيم الذي بدأ بتجميع صفوفه هناك، أما شرق الفرات فقد أضحى كله بيد قوات سورية الديمقراطية مدعومة من التحالف الدولي، عدا عددٍ من القرى التي اتخذها النظام وحلفاؤه مرتكزاً لهم في شرق الفرات، مما يشكل تهديداً حقيقياً وشماعة تستخدمها كافة الأطراف لكبح جماح سكان المنطقة في أي خطوة ينتهجوها ضد أي طرف من الأطراف، وعلى الرغم من مطالبات ومناشدات سكان المنطقة المتكررة للتحالف وخروجهم بمظاهرات تطالبه بطرد النظام وحلفائه الإيرانيين، إلا أن كل ذلك لم يلق أدنى استجابة من قِبل التحالف؛ بل إن النظام وميليشياته كانوا السباقين في تنفيذ الهجمات وإرسال التهديدات إلى المنطقة وأهلها بين الفينة والاخرى. وبالعودة إلى ما قام به التحالف الدولي في المنطقة، ومع التقدم السريع الذي حققه على الأرض وصولاً إلى الريف الغربي، تمّ تشكيل المجلس المدني لدير الزور على عجالة في عام 2017، المجلس الذي ضم عدداً من اللجان والشخصيات التي توسدت مقاليد الأمور حيث أن توليهم لها يعد إشكالية بحد ذاته، وخاصة بعدد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ذلك، حيث تهم الفساد تلاحقهم بين كل حينٍ وآخر، هذا ناهيك عن علاقتها ودورها مع النظام ، وعجزها في تحقيق أدنى المكتسبات التي تصب في مصلحة المواطن والمنطقة، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه أين التحالف الدولي عن كل ما يجري في المنطقة؟!

يضاف إلى ما سبق تسلط الكوادر واستفرادها بالقرارات وجعل المنطقة وأهلها ضحية لكوادر قنديل الذين نهبوا البلاد وخيراتها، حيث يرى سكان المنطقة أرتال الشاحنات وهي تنهب وتسرق خيرات المنطقة والغالب منها يُصدَّر إلى مناطق النظام، في حين يعاني غالبية السكان الفقر المدقع وفي ظل واقعٍ مزرٍ من الناحية الأمنية و الخدمية والصحية والتعليمية أحدثته كوادر قسد بعقليتهم المنغلقة التي جعلت من المنطقة الشرقية حديقة خلفية لتحقيق مشروعها في جبال قنديل كما هو حال تنظيم داعش الذي أراد جمع الأموال من المنطقة لدعم مشروعه الخاص وربما يكون الفارق الملاحظ بينهما أن قسد ترفع شعار العدالة والديمقراطية للمنطقة وفي واقع الحال هي في هذا الأمر أكثر انغلاقاً من داعش حيث يخلص سعيها كاملاً لخدمة مشروعها في جبال قنديل، فما يجري على الأرض لا يترك مجالاً للشك بأنه مقصود وممنهج، حتى أضحى التحالف الدولي جزءاً لا يتجزأ من المشكلة التي تمر بها منطقتنا وقد سلَّم غرب الفرات للنظام وحلفائه الإيرانيين الذي يدعي محاربتهم وعدداً من القرى التي تقع شرق الفرات، ويتابع كيف تقوم قسد بمدِّ النظام بمختلف الثروات النفطية في حين تعاني المنطقة، من ارتفاع أسعارها وشحٍّ في المعروض منها وخاصة في فصل الشتاء، مما يثير الدهشة والغرابة حول دور التحالف الدولي الذي أصبح منسجماً مع قسد وكوادرها على حساب المنطقة وأهلها، دون اكتراث للسكان المحليين بما تقوم به قسد، وفي ظل إبعاد تامٍّ للمكون العربي عن إدارة وقيادة مناطقه رغم توافر الكفاءات والكوادر فيه ومن قُرِّب من العرب كان تابعاً لكوادر جبال قنديل الذين تم فرضهم على المنطقة من قبل التحالف الدولي الذي اتضح للجميع أنه لايهمه بل قد يريد حدوث الفوضى والفلتان الأمني في المنطقة.


ولا يفوتنا أن نذكر أن التحالف الدولي قدم نفسه للمنطقة وبرر وجوده وبقاءه فيها لعدة أمور نعرضها كالآتي:
أولاً: العمل على استئصال خلايا التنظيم في المنطقة.
ثانياً: محاربة الوجود الإيراني وتمدده ومراقبة سلوكه في المنطقة.
ثالثاً: منع حصول النظام على النفط والغاز الموجودين في شرق الفرات.
رابعاً: العمل على إعادة تأهيل المنطقة من النواحي كافة.
خامساً: العمل على حماية المنطقة من النظام وحلفائه .

وفي قراءة سريعة لوجود التحالف الدولي وأثر بقائه في المنطقة وتماشي ذلك بما يجري على الأرض وبناءً على ما سبق نقول:

  • إن الوضع الأمني في المنطقة بانحدار خطير قياساً بالفترة التي تلت القضاء على آخر جيوب التنظيم في منطقة الباغوز في 23-03-2018، فالمنطقة تعيش فلتاناً أمنياً أدخلها في حالة فوضى وعدم استقرار مما دفع بالكثير من أبنائها وخاصة أصحاب الخبرات والكفاءات من الأطباء والمهندسين إلى الهجرة في ظل انتشار الفوضى وارتفاع معدل الجريمة وغير ذلك مما يعكس واقعا أمنياً مزرياً.
  • وأما بالنسبة لمحاربة الوجود الإيراني وتمدده في المنطقة نقول: إن البلاد بأسرها أضحت بيد إيران وميليشياتها فإيران اليوم تسيطر على معابر البلاد ومطاراتها، ففي غرب الفرات تنشر التشيع مستغلة حاجة الناس وفقرها، وفي شرقه كانت هي الأسبق في التمدد انطلاقاً من القرى التي احتلتها وهجرت أهلها وهي سبع قرى: ( الحسينية، الصالحية، حطلة، مراط، مظلوم، خشام والطابية) فقد نفذت ميليشياتها محاولتين للتوسع مرة في الشرق انطلاقاً من بلدة “الطابية” الواقعة في شرق الفرات، والثانية انطلاقاً من غرب الفرات عدا محاولات عدة في استفزاز القوات الموجودة على خطوط التماس والتابعة لقسد، مما يجعل منها المبادِرة في إثبات الوجود.
  • و إن تكلمنا عن حماية النفط فقد كانت قوات التحالف تحمي حقول النفط، وما يخرج منها من آلاف البراميل يومياً، لتقوم عبر وكليها قسد في المنطقة بإيصاله عبر المعابر المشتركة مع النظام إلى مناطق سيطرته، الفعل الذي أقل ما يوصف بأنه مناقضٌ للمبادئ التي ينادي التحالف بها وهكذا هو الحال لتسهم تصرفاته وسلوكياته هذه في تعقيد المشهد حيال وضع المنطقة وأهلها، فعن أي حماية يتحدث التحالف الدولي؟!
معبر الشحيل في ريف ديرالزور لتهريب النفط إلى النظام المجرم
  • وبخصوص العمل على إعادة تأهيل المنطقة، لا ننكر أن هناك محاولات قامت بها الخارجية الأمريكية وحاولت دفع بعض الدول الأخرى إلى دعم المنطقة، وإعادة تأهيل بنيتها التحية، من خلال البرامج المانحة لمنظمات المجتمع المدني الموجودة في المنطقة، ولكننا نقول إنها ما زالت دون المستوى المطلوب في منطقة دُمرت بنيتها التحتية وتحتاج إلى الكثير والكثير حتى تحقق الحد الأدنى من عوامل الاستقرار.
  • وأخيراً لا ننكر منع التحالفِ النظامَ وحلفاءه من الدخول إلى المنطقة، علما أن النظام وإيران وميليشياتهما كانوا السابقين في محاولات التوسع غرباً وشرقاً، وبالرغم من مطالبات أهالي قرى شرق الفرات في طرد النظام وايران وميليشياتهما من قراهم، ولكن دون جدوى، فوجود النظام وحلفائه في هذه المنطقة -نقصد قرى شرق الفرات- أدى إلى نزوح ما يزيد على خمسين ألفاً من سكانها إضافة إلى أن وجودهم قد عقّد من الوضع الجغرافي في المنطقة وقطع أوصالها ومنع من سهولة الاتصال بين الريف الغربي والشرقي الذي يمتد إلى الحدود العراقية.
    ومما سبق وفي قراءة للمشهد والواقع الذي تعيشه المنطقة وبعد مرور ثلاث سنوات من وصول التحالف الدولي إلى المنطقة نقول: إن المنطقة عانت الأمرين من حكم آل الأسد الذي استمر طيلة خمسة عقود انعدمت فيها الحريات والعدالة الاجتماعية وحرم فيها الشعب من أدنى حقوقه ثم بعد تفجر الثورة وانطلاقها وقف أهل المنطقة بوجه هذا النظام المستبد وضحوا بالكثير من أجل التخلص منه، وما إن بدأت المنطقة تسير نحو استقرارها وتحقيق حلمها المنشود في تحقيق الحرية والكرامة حتى دخل تنظيم داعش عقب انحياز فصائل الثورة من المنطقة بعد معارك شرسه آلت إلى سيطرة التنظيم على المنطقة مما قلب الأمور رأساً على عقب، ليكون البديل بعد ذلك هو قوات سورية الديمقراطية التي يقودها حزب كردي يحكم المنطقة بالقوة ويتحكم بخيراتها رغم خلو المنطقة قاطبة من أي كردي وهذا الحزب لم يكن من أولوياته أي مشروع وطني يضم العرب والكرد الذين يتفقون على مناهضة حكم آل الأسد والمليشيات الإيرانية وإنما أولويات هذه القيادة المتسلطة -حتى على الكرد أنفسهم- خدمة المشروع الخارجي والمرتبط بجبال قنديل!
    فما قامت وتقوم به قسد صورة مشابهة لما قامت به الطائفة العلوية في البلاد، من الفساد والتسلط والاستفراد بالرأي ونهب خيرات البلاد على مرآى ومسمع الجميع بما فيهم التحالف الدولي نفسه، الذي كان يأمل منه أهل المنطقة تأمين ولو شيء بسيط مما تحتاجه المنطقة، ولكن اتضح لهم أن ما يجري على الأرض ما هو إلا سيناريو سيء أشبه بسيناريو العراق، وما زالت الفرصة سانحة لتجنب المسار الذي يُدخل المنطقة وأهلها نفقاً مظلماً لا تحمد عقباه ولا يسلم الجميع من عواقب دخوله بما فيهم التحالف الدولي نفسه.
  • كتبه لـ شبكة نداء الفرات: عمر العبدالله ـ ناشط ميداني

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top