أكثر من 13 شهرٍ مرّت على بدء حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة المُحاصر، وأكثر…
“متسلقو الثورة”
مقال رأي
تسع سنوات انقضت على تنشق الأحرار من أبناء سورية نسائم الحرية التي بدأت مع انطلاق ثورة الكرامة ربيع / 2011/ والتي رفع فيها السوريون الحرية شعاراً ، و زينوا الشوارع والساحات بلافتاتهم و أهازيجهم ، وبلغت أصواتهم عنان السماء أملا بالحلم المنشود الذي تغنوا وحلموا فيه، و قد ترافق جمال الشعور بالحرية و الكرامة بعذاباتٍ قل نظيرها على مر التاريخ ناجمةٍ عن انتقام نظام الأسد المجرم من الذين نازعوه سلطته على مزرعته “سورية” التي ورثها عن أبيه كما ارتسم في عقله الباطن ، و لا يمكن لعاقلٍ أن ينكر دور المتسلقين ممن حُسبوا على الثوار في زيادة معاناة السوريين، فهم في ظاهرهم شركاء للأحرار في هدفهم النبيل و من جهة أخرى شركاء أكثر نفعاً للنظام الذي استفاد منهم ، و ربما يكون هو من جندهم لتحقيق مكاسب ليس أدناها الإساءة لسمعة الثوار .
من الطبيعي أن ينخدع الثوار بقسم كبير من هؤلاء المتسلقين على الأقل في البدايات إذ إن مطالبهم لا تختلف عن مطالب الشارع الثائر؛ بل ربما تزيد عليه إذ إنهم أظهروا عداءً لنظام الأسد لا يمكن تصوّره ، و قد استفاد هؤلاء المتسلقون من كونها ثورة شعبية تميز الكثير ممن تصدروا مشهدها في البداية بعفويتهم و ضعف إدراكهم لتربص المتربصين .
اقتصرت أعمال و ممارسات هذه الفئة من الثوار – إن صح أن نسميهم ثواراً مجازاً – على تخريب المنشآت و المرافق العامة بدعوى أنها تمثل النظام ، و ما لبثوا أن طوروا ممارساتهم شيئاً فشيئاً بدءاً مما يمكن تسميته بـ تعفيش المرافق العامة بغية تحقيق مكاسب مادية ضعيفة وصولاً إلى انخراطهم في أعمال جعلتهم يكونون رؤوس أموال يسيطرون فيها على مفاصل الحياة الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر ، يضاف إلى ذلك تخلفهم عن جبهات القتال العسكري و المدني التي تصدى لها أبطال الجيش الحر عسكرياً و بعض الناشطين مدنياً و التي استهلكت هؤلاء الرجال على مستوى الأرواح و الهمم في حين كان هؤلاء المتسلقون يكنزون الأموال و يبنون شبكة من العلاقات التي مكنتهم من البروز كقادة للمجتمع دون أن يمتلكوا القدر الكافي من ثقافة الثورة و الحرية، ولعل من الأخطاء القاتلة التي لم يستطع الحراك الثوري حسمها، هي مسألة هؤلاء المتسلقين و التي كانت عاملاً مدمراً للثورة و مشوّهاً لصورتها… فعندما انتهى هؤلاء من نهب المؤسسات والدوائر الحكومية اتجهوا إلى ملف النفط الأكثر ربحاً والأسرع في جمع المال، وهؤلاء كانوا السباقين في استثماره ووضع يدهم عليه و أنشَؤُوا كتائب لحمايته وحماية أنفسهم وزودوا هذه الكتائب بمختلف صنوف الأسلحة بما فيها الثقيلة … وأصبحوا مع تقادم الزمن معروفين بــ تجار النفط.
ـ ومع سيطرة تنظيم داعش بقي هؤلاء على نفس الوتيرة، خلا أن التنظيم جردهم من سلاحهم وقسم كبير من الأموال التي جمعوها من النفط، و مع ذلك استمروا في عمليات الاتجار بالنفط عبر عقود وقعوها مع تنظيم الدولة ضمنت استمرار عملهم، ومع هذا الاستمرار توسع أداء هؤلاء، فأقاموا علاقات مع عرّاب النفط الأول لدى النظام القاطرجي و هو اسم غني عن التعريف.
فالقاطرجي ومن خلال هؤلاء التجار، وغيرهم ممن لبس ثوب الثورة، استطاع وبالاتفاق مع تنظيم الدولة أن ينقل النفط إلى مناطق سيطرة النظام وإلى مصفاة حمص تحديدا عبر أرتال من الشاحنات التي تنقل النفط إلى النظام في مشهد يدعو إلى الحسرة والالم والغرابة والاستهجان لدى سكان المنطقة المغلوبين على أمرهم بوجود القوة المفرطة لدى التنظيم فلم يتجرأ أحد على رفض أو الاعتراض على ما يقوم به التنظيم ، بل انفرد قسم من هؤلاء بنقل القمح والقطن وغيرها من الموارد إلى مناطق النظام و هو الذي كان بأمس الحاجة لمثل هذه الموارد ….
ـ وبالانتقال إلى المرحلة اللاحقة وهي سيطرة قسد على المنطقة مدعومة من التحالف الدولي قدم هؤلاء أنفسهم لقسد في ملف النفط وغيره، و وجدوا ضالتهم وبوتيرة أعلى وأفضل من خلال عملهم مع الأخيرة، فهؤلاء أصبحوا مستثمرين محليين وعبر عقود مجزية منحتها قسد لهم في مقابل الدور الذي يؤديه هؤلاء، فمن خلالهم استطاعت قسد أن تسوّق النفط وخاصة في المناطق الهشة أمنيا، وتحوّل هؤلاء إلى شكل مجموعات موزعة على بعض القرى، ففي الغالب يوجد في كل قرية نموذج من هذه النماذج وهؤلاء المستثمرون أو التجار الصغار الموزعون بالقرب من الحقول النفطية يأخذون النفط من قسد، عبر عقود أُبرمت معهم، ويقومون بنقله إلى مناطق سيطرة النظام عبر المعابر النهرية الموجودة على الفرات وشارك هؤلاء قسد التي قامت هي الأخرى وعبر الطرق البرية / دير الزور ـ الحسكة ـ الرقة / في إيصال النفط إلى مناطق سيطرة النظام كل هذا وذاك على مرأى ومسمع الجميع بما فيهم التحالف الذي نصبّ نفسه حارسا على النفط، و الذي أصدر عدة عقوبات بحق القاطر جي نفسه مما يضع مصداقية التحالف نفسه على المحك…
وبالعودة إلى المعابر البرية والنهرية بين قسد والنظام : وفي محاولات بائسة على مدار سنتين تقريبا، وبتدخل من التحالف الدولي نفسه، والذي لا يعدو أن يكون شكلياً بوقف عمليات التهريب في معبر الشحيل النهري والذي أضحى بوابة التبادل التجاري الأولى، وبعبارة أدق معبر لنقل النفط والقمح والقطن وخيرات المنطقة كلها إلى مناطق سيطرة النظام في غرب الفرات من مناطق قسد في شرقه؛ معبر اختزل عمق المعاناة والمأساة التي تعيشها المنطقة، وجسّد صورة المتسلقين بـ أسوء صورها من الجشع والطمع على حساب لقمة عيش وكرامة أبناء المنطقة.
وعودة إلى معبر الشحيل النهري الذي أضحى الميناء التجاري الأول في المنطقة فمنظر السيارات الداخلة والخارجة وأرتال الصهاريج التي تنتظر في الضفة المقابلة لتنقل النفط إلى مناطق سيطرة النظام كفيلة بإعطاء صورة واضحة عن الدور الذي يؤديه وعن حجم المأساة التي تمر بها المنطقة وسكانها … وعودة على ذي بدء وبإيجاز نقول حول عمليات منع التهريب التي تتم عبر معبر الشحيل النهري: فقد عمل هذا المعبر وأدّى دورا كبيرا في نقل أهم المواد التي تتواجد في مناطق سيطرة قسد ، وعليه عمدت قسد وبشكل رمزي على القيام بعمليات تمثيلية على منع عمليات التهريب وبمشاركة قوات التحالف في عدد من المرات لمنع هذه العمليات ولكن دون جدوى فمازال التهريب على أَوجه ؛ إن صحّ أن يسمّى تهريبا ، مما يضع مئة إشارة استفهام حول ماهية عمليات التهريب ، ولماذا لا يتم إيقاف هذه العمليات؟ ولصالح من تتم هذه العمليات ، ومن يقف وراء هذه العمليات من كافة الأطراف اللاعبة على الأرض .. وخاصة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، والتي وعدت عدة مرات بإغلاقه، وليس آخره في اجتماع عشائري لها مع عدد من أبناء الشحيل…
وعودا يبدو أنها ذهبت أدراج الرياح مع العبارات التي تنقل ثروات المنطقة إلى مناطق سيطرة النظام .. في مشهد يُدمي القلوب على حال المنطقة وأهلها وكيف أصبح أهلها وخيراتها ألعوبة بيد اللاعبين الجدد ولعل أبرزهم من أبناء جلدتهم متسلقو الثورة .
لا شك أن القائمين على هذه المعابر هم من هؤلاء المتسلقين الذين استفادوا مما حققته الثورة السورية من إنجازات على مستوى توزع السيطرة على الأرض ليستفيدوا من هذه النقطة في استمرار أعمالهم التي تحقق لهم الأرباح الطائلة على ألا ننسى أن كثيراً من هؤلاء المتسلقين وصلوا إلى طور متقدم في اتجارهم بالثورة السورية إذ استفادوا من قسد و كوادرها في الوصول إلى مراكز حساسة في إدارة المنطقة رغم عدم امتلاكهم المؤهلات بحدودها الدنيا سوى أنهم يمتلكون القدرة على شراء المواقف الداعمة لهم من الكوادر و لا أدل على ذلك من تسلط بعض الأشخاص والعائلات التي لمع أسمها في السلطة المحلية في المنطقة يثبت ما نذهب إليه .
وفي الختام نقول إن الثورة مهما طال أمد معاناة أهلها لابد أن تنحو المنحى المطلوب الذي رسمه رجالات الثورة الأوائل الذين سطّروا بدمائهم أروع الملاحم في التضحية والفداء وقدموا الغالي والنفيس من أجل حرية أوطانهم وشعوبهم، أما هؤلاء المتسلقين مهما علا شأنهم س يسقطون حكما من قاموس سورية الحديثة التي أرادها ويريدها الأحرار والشرفاء من بلادنا ولن يكون لهم مكان بيننا مهما علا نجمهم الآني، ونقول لهم : لا نامت أعين المتسلقين .
كتبه لشبكة نداء الفرات :عمر عبدالله ـ ناشط ميداني
This Post Has 0 Comments