skip to Main Content

قراءة في المشهد الأمني والأحداث الجارية في مناطق ريف ديرالزور الواقعة تحت سيطرة قسد.

مقال رأي

-في مشهد دامٍ استيقظت مناطق ريف دير الزور الواقعة تحت سيطرة قسد على فاجعة كبرى بين أبناء العمومة الذين تجمعهم المعتقدات و الجغرافية والهوية والأفراح والآلام والأحزان والهواجس والأحلام والمصاهرة.
حطت رحالها هذه الفاجعة في مناطق الريف الشمالي لدير الزور في بلدة” ماشخ ” حيث راح ضحيتها العشرات من أبناء العمومة والاخوّة في صورة تظهر قوة الصراع بين الأطراف المتناحرة والمتنافسة على هذه الرقعة الجغرافيّة الهامة؛ ليست على مستوى المنطقة؛ فحسب بل على مستوى العالم، والدليل أن الدول الكبرى في العالم تعيش حالةً من التنافس المحموم في توسيع السيطرة والنفوذ فيها، كل طرف على حساب الآخر .
ولا يخفى علينا أن ننوه هنا إلى أن هناك أطرافاً عدة قد لعبت لعبتها في المنطقة ، وقطعت شوطاً متقدماً في إذكاء النزاعات العشائرية في المنطقة، وفعلت الأفاعيل في خلط أوراق المنطقة لتكون هذه النتائج التي نراها الآن ، وهو ما تحصده آلة القتل في كل يوم في ظل الفلتان الأمني السائد في المنطقة ، في حالة التنافس والصدام بين مختلف الأطراف الموجودة على الأرض .
ـ فخلايا التنظيم ” داعش ” المنتشرة في المنطقة قد نالت حصة الأسد في مشهد الفلتان الأمني المتصاعد ، وفي عُجالة نقول : إنّه وبعد القضاء على آخر جيوب التنظيم وما تلتها بأشهر قد حظيت المنطقة ببحبوحة و فسحة من الأمن والأمان على إثر الضربة القاضية التي وجهتها قوات التحالف الدولي للتنظيم ، ولكن هذه الحال لم تستمر طويلاً إذ عاد التنظيم إلى تجميع قواه على الأرض جرّاء القبضة الأمنية المتراخية بشكل مقصود وممنهج تجاه المنطقة وأهلها، لأنه ببساطة عمدت قسد وشريكها الاستراتيجي قوات التحالف الدولي إلى تجاهل وتغافل عددٍ كبيرٍ من قيادات التنظيم المتواجدين في المنطقة وقسمٍ كبيرٍ منهم مازال يسرح ويمرح ، فهؤلاء عمدوا أولاً إلى تجميع صفوفهم وبناء شبكةٍ من الخلايا المتوزعة في المنطقة ووزعت المهام على هذه العناصر وانتقلوا إلى المرحلة الثانية وهي جمع الأموال من خلال فرض الزكاة على جميع شرائح المجتمع انطلاقاً من الريف الشرقي ثم الشمالي وصولاً إلى الغربي بوتيرة أقل عن باقي المناطق ، ليتنقلوا بعدها إلى الطور الثاني النشاط العملياتي على الأرض ، وبدؤوا بتنفيذ هجماتهم حيال المدنيين ؛ وإن شئت قل: ضرب الأهداف الضعيفة التي لا تستوجب مغامرةً أو تخطيطاً مسبقاً، والهدف إظهار وجودهم وسطوتهم في المنطقة وقد حققوا تقدماً ملموساً، معتمدين على عنصر المفاجأة متى سنحت لهم الفرصة في ذلك ، واللافت في الأمر أن 99 % من هذه العمليات استهدفت المكون العربي سواءً من العناصر المنضوية تحت قسد أو غيرها ، متجاهلة الأطراف الأخرى مما يثير الشكوك حول تفسير ما يجري على الأرض ، وهي بنشاطها المزعوم أذكت النزاعات العشائرية في المنطقة نزاع جعل المنطقة تعيش على صفيح ساخن تزيد من حرارته في كل عملية تستهدف هذا المكون أو ذاك ، لتتحول المنطقة إلى جملة من الصراعات والنزاعات البينيّة بين أبناء العمومة وتزيد من حالة النزاع العشائري في منطقة بقيت محافظة على تماسكها وتعاضدها على مر السنين لتنجح داعش نجاحاً قاتلاً لكل القيم النبيلة التي تحلّت بها شعوب المنطقة ويعيش جميع سكان المنطقة كما يُقال بالعرف السائد :خال وابن أخت” عيشرة الكبيصة وعشيرة البوفريو أنموذجاً . وما حوادث القتل التي حدثت وتحدث في الشحيل وذيبان حيال أبناء الشعيطات إلا خير دليل على ذلك لتتوج داعش هذا النجاح الذي حققته في مذبحة ماشخ التي تألم لها جميع أبناء المنطقة أبناء البكير قبل غيرهم لأنهم يرفضون هذه الممارسات جملة وتفصيلا، فالمصاب كبير وقد تألمت جميع مناطق دير الزور لما حدث .
وإذا تجاوزنا هذه النقطة إلى غيرها لنقول : إن قسد تتحمل جزءاً كبيراً مما يجري على الأرض وذلك أولاً لأنها هي من تمثل السلطة ، و هي من ساعدت وسهلت في تراجع الوضع الأمني من حيث تدري و لا تدري وذلك لعجزها عن إدارة المنطقة وتخبطها في إدارة الملفات الشائكة ، وقلة الخبرة الدراية في التعامل مع الملف الأمني ، وترك المجال مفتوحاً لكل الأطراف للعزف على الوتر الأمني الذي أضحى هاجساً هاماً لكل فئات الشعب، فأصبح الأمن والأمان مقدما على رغيف الخبز ، وانتشار الفساد حتى في التعامل مع الملف الأمني الذي يعد من الملفات الحساسة و أكثرها تعقيداً في المنطقة … توسّدها وتسلطها في إدارة المنطقة واستئثارها بالقرار والرأي ، فأهل مكة أدرى بشعابها، هذه الأمور وغيرها جعلت قسد شريكاً وجزءاً لا يتجزأ من الفلتان الأمني السائد .

أما التحالف الدولي وهو العقل المدبر للمنطقة وأحوالها ، وهوا الذي إذا أراد يعرف أدق التفاصيل ، ولكن رغبة منه في إبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار ولتنفيذ أجندته وسياساته في المنطقة التي لن تتضح معالمها كلها في الوقت

الراهن، فبعض هذه السياسات يحتاج لسنوات لفهم ما يخطط ويدبر للمنطقة

وأهلها .
ولا يفوتنا أن نذكر دور النظام والمليشيات الإيرانية وأنشطتهم في المنطقة ، وهؤلاء لهم دور لا يُستهان به في ملف الفلتان الأمني السائد في المنطقة ، فلهم أيضاً لهم شبكات يديرها كبار ضباط النظام ، فلهم أيضاً علاقة مشبوهة مع كثير من الوجهاء والفعاليات الاجتماعية الموجودة في المنطقة ، فهذه وعبر أدوات أصغر تنفذ أنشطة مشبوهة وهو ما يعكس تعقيدات الوضع الأمني السائد.
ـ أما المكون العربي فقسم قليل ارتهن لقسد ولسياتها وأجندتها مقابل المنصب والمال دون أن يعنيه من أمر المنطقة شيء ، أمّا الغالبية الساحقة فقد وقعت ضحية الأطراف الأخرى كلها في ظل الصراع والتصادم المحموم فيما بينها حتى أضحت مسلوبة الإرادة أقلها في وقتها الحالي ، على أن ذلك لا يعني أن قسماً كبيراً من هذه الفئة قد أدرك اللعبة وفهم كيف تخطط وتحاك الخطط لاستنزاف المنطقة وإبقاء تشرذمها وتشتتها ، ونهب خيراتها ، والعمل على ضياعها وعدم امتلاكها شيئا من أمرها …لتضيع المنطقة والهوية والوجود وعليه بدأت تتحسس ما يدور حولها وتبحث عن مخرجا لما هي فيه.
ويبدو و لا شك أن أمرها لن يطول في إعادة ترتيب أوراقها وتجميع صفوفها ، وقيادة وإدارة مناطقها شاء من شاء وأبى من أبى فلها من الإنجازات والتاريخ والقامات التي قادت وأنجزت ما يشهد بذلك .
ـ إن مأساة مناطق سيطرة قسد هي في حالة الانقسام العشائري التي أخذت تهدد السلم الاهلي والانزلاق نحو حر ب أهلية ، فالحرب الاهلية يتم التخطيط لها وهي كذلك بقدر ما تزلق لها مكونات الشعب الواحد ، فالمشروع القادم نحو تقسيم المجلس المدني لمحاصصة عشائرية والسعي لتكريسها في المؤسسات الحكومية سوف يزرع بذور مشكلات أمنية وسياسية خطيرة على مستقبل الجزيرة قاطبة ، وقد تندلع نزاعات عشائرية تدفع لحروب أهلية ، خصوصاً أن الفكرة التي تقف وراء هذا النهج ليست صحيحة وهي تمثل الخصوصيات لمنطقة عشائر الجزيرة سياسياً ؛ لأن ذلك يعد مقدمة لبناء الجدار الفاصل بينها، لأنها ليست خصوصيات سياسية صرفة فإن التلاعب بها مع إدراك اختلافاتها عن التجارب الاخرى سيحولها الى قنبلة موقوتة في داخل الجسد المجتمعي الواحد .
فهل تعي شعوب المنطقة ما يُحاك لها من مخططات خطيرة تهدد استقرارها و وجودها على هذه الرقعة الجغرافية الهامة ، وتعمل على تدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان ؟ سؤال برسم الجميع دون استثناء.

كتبه لشبكة نداء الفرات عمران محمد : ناشط ميداني

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top