يُعتبر التاريخ مرآة الحاضر ومن أجل فهم ما يجري في وقتنا الحالي يجب التمعن في…
الصراع الدافئ بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في محافظة دير الزور ” شرق الفرات أنموذجا “
ــ منذ سيطرة قوات النظام الأخيرة على المنطقة بمساعدة داعميه الروس والإيرانيين الذين عبروا بقواتهم في أواخر صيف// 2017 // نهر الفرات، و بعد بسط سيطرتهم على مناطق في غرب الفرات وفك الحصار عن مركز المدينة التي كان يحاصر ها تنظيم داعش وتراجع الأخير السريع وانحساره في غرب الفرات وشرقه أمام ضربات طيران التحالف الدولي والروس؛ هذا التراجع أفسح المجال للنظام وداعميه في السيطرة على سبع قرى وهي من الغرب : الحسينية الصالحية حطلة مراط مظلوم خشام الطابية .. على حساب قسد والتحالف الدولي
فرُسمت بذلك جغرافية جديدة للمنطقة غرب الفرات كله، إذ تمت السيطرة عليه لاحقاً من قبل النظام وداعميه، إضافة للقرى السبعة التي تقع في شرق الفرات، أمّا بقية مناطق شرق الفرات فكلها تحت سيطرة قسد والتحالف الدولي، وعليه وبناءً على هذه الخريطة وحسب ما تروّج له قسد وأتباعها من المكون العربي بأن هذه الخريطة هي نتاج اتفاقيات دولية أُبرمت بين الأطراف المتصارعة على المنطقة، الروس والإيرانيين من جهة والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهةٍ أخرى.
ضمن هذه المعطيات وفي عُجالة يتبين أنه في ظل الانتشار الواسع للوجود والنفوذ الإيراني في المنطقة عمدت إيران وفي سباق محموم مع الزمن لصبغ المنطقة التي تسيطر عليها؛ كل المنطقة بصبغة مذهبية شيعية، فلم تترك طريقةً أو وسيلةً إلا و مارستها في سبيل بسط نفوذها ونشر أفكارها ومذهبها في المنطقة فكان لها ما أرادت، إذ قطعت شوطاً متقدماً في تنفيذ سياساتها وأطماعها التوسعية والمذهبية في المنطقة من خلال بناء الحوزات والحسينيات وإقامة المزارات والندوات والدورات والمعسكرات الفكرية والعسكرية للكبار والصغار على حدٍّ سواء كل ذلك لنشر فكرها ومذهبها في ظل تجاهل وتغافل مريب من القوى العظمى التي تجوب طائراتها سماء المنطقة ليل نهار، والتي توحي لك بأن حرباً وشيكة سوف تبدأ ولكنها لم تبدأ ولن..
أمّا قسد فقد وجدت ضالتها ومبتغاها من حالة اللاحرب وفي ظل بقاء الوضع الميداني على حاله في ظل التنافس والصراع الدافئ الذي تعيشه المنطقة ما يعني تنفيذ سياساتها وأجندتها وبالتالي استمرار نهب خيرات المنطقة ومواردها، دون تحسن أو تقدم في مآلات الوضع السياسي أو الوضع الأمني المعقد أو الخدمي أو الصحي أو التعليمي… وعليه فقد وجدت في انشغال المنطقة وأهلها بـتعقيدات المشهد المعاش من كافة الجوانب فسحةً ومتسعاً لتحقيق تلك السياسات التي تنوي تنفيذها في المنطقة وقد بدأت بالفعل في تنفيذها .
أمّا المكون العربي وفي ضوء هذه المعطيات أضحى يرسم له بقية الأطراف المتصارعة والمتنافسة مآلات أوضاعه من النواحي كافة سواء أكانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو معاشية أو خدمية و… فلا حول ولا قوة له فيما يجري على أرضه عدا عن نشاط سياسي خجول لا يتناسب مع حجم الإمكانات الموجودة من النخب والكفاءات، وحجم التحديات التي تمر بها المنطقة مع كوكبة من النخب الأكاديمية الراغبة بالتغيير وأخذ المكون العربي دوره، ولكن ضعف الخبرة والمعرفة بالعمل السياسي وطبيعة الأوضاع الأمنية والاقتصادية ومحاربة قسد لمثل هذه الأنشطة في ظل سياسة الحزب الواحد أخّر، إن لم نقل أجهض هذا الحراك.
وحراك آخر شعبي اصطدم بعدة عقبات، لا مجال لذكرها هنا، أضعفت فاعليته وأثره، أقلها في المدى المنظور…
ــ وعودة على ذي بدء فإن حالة العداء المزعومة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ؛ العداء الذي سُلِّم بموجبه غرب الفرات والقرى السبع في شرقه للنظام وداعميه ونخص منهم الإيرانيين، فقد كانت إيران وحليفها النظام المجرم السباقة في الهجوم على المناطق التي تسيطر عليها قسد وحليفها الاستراتيجي التحالف الدولي بقيادة أمريكا فقد سجلت في الفترة الممتدة منذ أواخر صيف 2017 وحتى تاريخه حرباً ساخنة منها في الـ 2018 وحدها حادثتين هامتين :
الأولى : كانت باتجاه الريف الشرقي انطلاقاً من بلدة الطابية عبر تحريك رتلٍ كاملٍ تجاه المنطقة للسيطرة عليها، ولكن هذه الحملة باءت بالفشل.
والثانية : من العام نفسه كانت باتجاه الريف الغربي انطلاقاً من بلدة الحسينية للسيطرة على الريف الغربي، وكذلك باءت بالفشل.
وإذا تجاوزنا هاتين الحادثتين اللتين تشكلان شكل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة ولمدة وصلت لثلاث سنوات من خلال احتفاظ كل طرف بالمنطقة بالذي يسيطر عليه.
- ولكن في المقابل كانت إيران وعبر ميليشياتها ، وحليفها النظام السباقة في توجيه عدة ضربات على مناطق سيطرة قسد، بل وعلى قواعد التحالف الدولي نفسه وليس آخرها الهجوم بقذائف صاروخية على قاعدة كونيكو حسبما صرح الناطق باسم التحالف الدولي نفسه عن هذا الهجوم والذي عبر عن استيائه من هذا الهجوم، وأنه يقوض فرص ملاحقة خلايا التنظيم في المنطقة في نكتة سمجة لاقت استياء و ازدراء سكان المنطقة الذي يرون في رد التحالف الدولي هزيلاً ومخيباً للآمال ولا يعكس القوة الحقيقية للتحالف الدولي، لتتبعه هذه القوات بهجومٍ آخر انطلاقاً من مناطق سيطرة هذه المليشيات من قرى شرق الفرات من بلدة خشام حسب ما نشرت الشبكات المحلية عن استهداف لقاعدة كونيكو في أقل من أسبوع، عدا عن الاستفزازات التي تقوم بها هذه المليشيات على امتداد خطوط التماس بين الطرفين بين الفينة والأخرى، مما يضع عدة إشارات استفهام حيال ما يجري على الأرض، لتعيش المنطقة بين قطبي الصراع الوهمي حالةً من الحرب الدافئة بامتياز ، بالرغم من الأنشطة العسكرية الواسعة التي ينفذها التحالف الدولي في المنطقة، فقد نشط التحالف الدولي وطوال الفترة الماضية في استقدام تعزيزات عسكرية عبر أرتال من الشاحنات عبر معبر سيملكا وصولاً إلى قواعده في المنطقة من خلال استقدام عتاد ثقيل شارك في نقله حتى الطيران المروحي، والذخائر والمعدات اللوجستية وإجراء تدريبات بالذخيرة الحية في قواعده في حقلي كونيكو والعمر ، ولكن مع كل هذه المعطيات تعيش المنطقة حالةً من الحرب الدافئة بين قطبي الصراع والنفوذ الأميركي الإيراني بينما يقف المكون العربي موقف المتفرج حيال ما يجري!!
ــــ وختاماً: لن نغوص في تفاصيل العداء المزعوم بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران ولعقود مضت وليس آخرها قضية الملف النووي الإيراني الذي قامت الدنيا ولم تقعد حينها، و ما رافقه من تسليم العواصم العربية واحدة تلو الأخرى لإيران وميليشياتها، وشعارات “الموت لأميركا” التي ترفعها إيران وميليشياتها فهذه القضايا وغيرها التي توحي بالعداء بين الطرفين تجاوزها الزمن ولكن ما يهمنا التواجد الإيراني وتمدده في المنطقة ونشر المذهب الشيعي في البلاد كلها وليس في مناطق شرق الفرات وحدها، ففي غرب الفرات على سبيل المثال تحولت المنطقة من خلال المعالم الإيرانية والشعارات والرايات و والحوزات والحسينيات والمراكز و… إلى مدينة إيرانية بامتياز، ما يعني دون أدنى شك أن هذا الوجود لم يكن ليحصل لولا الضوء الأخضر الأميركي لإيران، ولزرع الشيطان الإيراني في المنطقة وخلق حالة من الصراع الأبدي مع إيران، وإبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار وإشغالها في صراعات دينية مذهبية؛ محلية وإقليمية ودولية وهو ما يؤدي حكماً إلى سهولة السيطرة عليها وتنفيذ سياسات هذا الطرف أو ذاك وصرف الرأي العام عن قضيته الأساسية، وما رغبة سكان المنطقة في التحالف مع الشيطان الأزرق للتخلص من الحلف الأسدي الإيراني إلا من إرهاصات هذا العمل الشيطاني الذي تنفذه وتقوده الدول العظمى في المنطقة … فهل يعي المواطن في البلاد العربية كلها وليس في شرق الفرات فحسب ما يخطط له وبالتالي ما يدور حوله؟!! سؤال برسم الجميع دون استثناء.
كتبه لشبكة نداء الفرات الناشط الميداني : محمد الرحبي
This Post Has 0 Comments