skip to Main Content

سكان ديرالزور بين مطرقة الوضع المعيشي الصعب وسندان الابتزاز المادي

مقال رأي

دخلت مناطق ريف دير الزور بعد عام 2017 مع سيطرة قوات سورية الديمقراطية مدعومة من التحالف الدولي مرحلة جديدة من مراحل الصراع والتنافس بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، صراع أخذ طابعاً مختلفاً؛ نتيجة للمعطيات الموجودة على الأرض، فبعد انحسار التنظيم وتراجعه في الجغرافية السورية لصالح قسد وحليفها الاستراتيجي التحالف الدولي، ومن ثم زواله بشكل رسمي في بلدة الباغوز في آخر معاقله، ضمن هذه المعطيات وجدت قسد نفسها أمام استحقاقات المرحلة الجديدة بالنسبة للمنطقة وأهلها في ظل ما أفرزته الحرب من البنى التحتية المدمرة وانعدام الخدمات و التعليم وتدني واقع الزراعة والصحة كل هذه الاستحقاقات وضعت قسد وجهاً لوجه مع سكان المنطقة، فبعد أن قدمت قسد الوعود البراقة والأحلام الوردية للمنطقة وأهلها في نقل واقع حالها إلى واقع أفضل حدث عكس ذلك،( فحسابات الفلاح لم تأت على حسابات البيدر)، فهذه الوعود لم تكن سوى سحابة صيف لا غير ، فالمنطقة تحتاج من الخبرات والكفاءات والأموال الكثير الكثير للنهوض بواقع حالها، ولكن الفساد والفاسدين كانوا أسبق في قضم كل ما يمكن تقديمه للنهوض بواقع المنطقة.
مهما يكن من أمر فإن ذلك دفع قسد إلى وضع خطة وآلية للتعامل مع الوضع الراهن الذي أفرزته طبيعة الصراع، والمعطيات الموجودة على الأرض، فما كان من هذه الخطة سوى إحداث فراغٍ أمنيٍ وجدت فيه عناصر التنظيم “بحبوحة ” ومتسعاً في المنطقة بعدما ضاقت بهم السبل وأصبحوا متوارين عن الأنظار واتبعوا سياسة التخفي والتستر… ولكن مع هذا الفراغ الأمني الذي أوجدته قسد في المنطقة بدأت عناصر التنظيم في تجميع قواها و صفوفها وتعيد ترتيب أوراقها، ضمن ما يسمّى بالذئاب المنفردة بداية إلى تشكيل مجموعات صغيرة في كل منطقة لتقوم هذه المجموعات بخطوة ثانية وهي التركيز على الجانب المادي الذي يؤمن الدعم المالي لعناصرها وبالتالي تمويل أنشطتها وأعمالها.. فبدأت هذه المجموعات باتباع نهجٍ واحدٍ للحصول على المال من خلال ما يسمّى بالزكاة؛ أي أن هذه العناصر قامت بفرض الزكاة من خلال وجودها الوهمي من الناحية العملية، فلم تكشف عن نفسها وعن مكانها فاعتمدت على طريقتين الأولى: تحديد الشخص الذي يتوجب عليه دفع المال؛ إذ تقوم بإبلاغه من خلال رسالة نصية عبر تطبيق الوتس آب من أرقام دولية حتى يصعب التعرف عليهم أو كشفهم، والطريقة الثانية من خلال رمي رسالة ورقية أو إلصاق رسالة على باب المنزل أو مكان العمل.
وهنا يتم الانتقال إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التهديد والوعيد وبث الرعب من أوسع أبوابه بالنسبة للمعترضين من خلال إبلاغه برسالة نصية أو ورقية أو رمي قطعة قماش رمزاً لكفنه، إما أمام باب منزله أو مكان عمله لبث الرعب ودفعه للاستجابة ودفع ما يترتب عليه من الزكاة حسب تصورهم، وفي حال قبل الدفع يتم تحديد مكان بعينه يوضع فيه المال وتحرص هذه الأطراف على السرية رغبة منها في الاستمرار في الحصول على المال تحت مسمّى الزكاة..
ولا يخفى على كثير من المتابعين أن هذه الموجة قد ركبتها أطراف عدة منها خلايا التنظيم الحقيقية وهي في الغالب من تستحوذ على ختمٍ تمهر فيه رسائلها في بعض من أنشطتها، والطرف الثاني: خلايا التنظيم الوهمية وهذه تقسم إلى قسمين: قسمٌ من عناصر التنظيم السابقين من اللصوص وقطاع الطرق الذين التحقوا بركب التنظيم. وقسمٌ آخر هم من “المشلحين” واللصوص ممن ليس لهم علاقة بالتنظيم البتة، ولكن وجدوا في هذه الطريقة مجالاً واسعاً للحصول على المال بأسرع الطرق وأقصرها من خلال العمل باسم التنظيم وهؤلاء عددهم كبير جداً في كل بلدة وقرية ومدينة ممن امتهنوا هذه المهنة…
دون أن ننسى أن الاستخبارات وحسب شهود من داخل المؤسسة العسكرية نفسها متورطة في ركوب هذه الموجة إضافة إلى عناصر التنظيم السابقين الذين ارتدوا لباس قسد وانخرطوا في صفوفها فهؤلاء سلبوا الناس أموالهم وأرزاقهم وأتعابهم باسم الزكاة التي وجدوا فيها غايتهم ومبتغاهم…
ودون أن ننسى كذلك دور النظام والمليشيات الإيرانية التي تنشط في بعض المناطق في ريف دير الزور والتي لها هي الأخرى في ركوب موجة الابتزاز المادي على سكان المنطقة، أما عن دور الأطراف كلها في هذه العملية فيمكننا القول:
إن السكان أنفسهم وفي قسم لا يستهان به غير مبالٍ لما يقوم به هؤلاء من خلال تسترهم على ما يقوم به أبناء جلدتهم بحق أهلهم من خلال سلبهم أموالهم، فالذي لا غبار عليه أن من يقوم بجمع الأتاوات في كثير من المناطق هم من أبناء تلك المناطق نفسها، أضف إلى ذلك دور الوجهاء والشيوخ الفاسدين الذي جهدوا على إخراج قسم من هؤلاء من سجون قسد ممن قاموا بفرض الأتاوات على سكان المنطقة.

أما عن دور قسد فهي من أعطت فسحة وبحبوحة لهؤلاء من أجل إدخال المنطقة في الفوضى وعدم الاستقرار الذي يعد العمود الفقري لاستمرار سياساتها وتنفيذ أجندتها في المنطقة عدا عن تورط استخباراتها في هذا المجال…
أما التحالف الدولي ودوره الهزيل في إيقاف عجلة سلب الناس أموالهم وإرهابهم وتهديد حياتهم للخطر، فقد سجلت عدة عمليات اغتيال بسبب رفض أصحابها تنفيذ رغبات المشلحين، فالتحالف الدولي يمكننا إيجاز نشاطه في الإنزالات الجوية الفاشلة والتي يرافقها عملية سرقة ونهبٍ لأموال السكان وأرزاقهم أو أنهم يقومون باعتقال أشخاصٍ لا علاقة لهم ليتم الإفراج عنهم لاحقاً وقد حدث الكثير من أمثال هذه الحالات، ولتجميل المشهد قام التحالف الدولي بنشر تطبيق “فرات آمن” وتوزيع بريد إلكتروني ورقم “واتساب” للإبلاغ عن الأشخاص الذين يقومون بإعمال مخلة بالأمن في المنطقة، ولكن هذه العملية لا تعدو أن تكون كمن يذر الرماد في العيون في ظل الفلتان الأمني السائد الذي وجدت فيه الأطراف السابقة فسحةً ومتسعاً في تنفيذ خطتها المالية في فرض ما يسمى بالزكاة حتى تاريخ نشر هذه المادة التي تشترك فيها أطراف عدة ذكرناها أعلاه.
ولا يفوتنا أن نذكر أن هذا الوضع قد أفرز فلتاناً أمنياً غير مسبوق من خلال بث حالة الرعب والهلع والذعر لدى سكان المنطقة وتسجيل عددٍ من حالات القتل ضمن سياق الابتزاز المادي مما دفع بعددٍ من العوائل إلى مغادرة البلاد وخاصة أصحاب الكفاءات من الأطباء وأصحاب الحرف ممن تحتاجهم المنطقة أمس الحاجة.
ليكون الرابح الأكبر من هذا الوضع هي قسد من خلال دور هؤلاء في تنفيذ سياساتها وأجندتها في المنطقة، ما يعني أن الخاسر الأكبر حكماً هم سكان مناطق ريف دير الزور الواقعة تحت سيطرة قسد وحليفها التحالف الدولي!

كتبه لنداء الفرات الناشط الميداني: خالد الجاسم

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top