Skip to content

انتفاضة العشائر في ديرالزور بذكراها الأولى، أسبابها وأحداثها ومآلاتها

شهدت محافظة ديرالزور في مثل هذا اليوم من شهر آب في العام الفائت اندلاع ثورة شعبية تحت اسم ثورة العشائر ضد قسد، جاءت في ظاهرها نتيجة ما يُعرف بكمين استراحة الوزير الذي اعتقلت فيه قسد قائد مجلس ديرالزور العسكري التابع لها ”أحمد الخبيل أبو خولة” وعدد من قياديي المجلس، حيث اعتبر أبناء المحافظة هذه الخطوة إهانة للمكون العربي، إلا أن هذه الثورة كان لها أسباب أخرى كثيرة.

التمييز العنصري بحق العرب وحرمانهم من أبسط حقوقهم وتهميش محافظة ديرالزور على الصعيد الخدمي والتمثيل السياسي وتعمد سياسة نشر الجهل ونهب ثروات المحافظة وإرسالها لدعم حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، كل هذه المسببات كانت كفيلة بانتفاض الشعب ضد الظلم الذي تمارسه قسد بحقه، فبعد أن وصلت ممارسات قسد إلى ذروتها نهض أبناء ديرالزور وخرجوا بمظاهرات في عموم قرى وبلدات الريف الشرقي الذي تسيطر عليه قسد، وفضلت الأخيرة استخدام الحل العسكري وقمع انتفاضة الأهالي بدل السماع لشكواهم وآرائهم.

أدى قمع قسد للانتفاضة إلى تحول أبناء المنطقة بشكل سريع نحو حمل السلاح، دفاعاً عن أهلهم وأنفسهم، وشهدت بلدة العزبة شمال ديرالزور معارك دامية، ولحقت بركبها بلدات ريف ديرالزور الشرقي الممتدة من مدينة البصيرة وحتى بلدة الباغوز قرب الحدود العراقية بمسافة تقارب 75 كم، واشتعلت نقاط وآليات قسد تحت ضربات أبناء العشائر الذين كان لا بد من وجود قيادة موحدة لهم تديرهم وتمثلهم، إذا أن تسارع الأحداث آنذاك لم يسمح لهم بتنظيم صفوفهم، فكان خروج الشيخ ”ابراهيم الهفل” أحد وجهاء قبيلة العكيدات دافعاً لهم لاختياره.

استمرت الاشتباكات لأيام عديدة تمكن فيها مقاتلو العشائر من تحرير ريف ديرالزور الشرقي بالكامل وطرد قسد منه، وقاموا ببسط الأمن وتسليم الأمور المدنية والخدمية لمختصيها، في الوقت الذي استجمعت فيه قسد قواها وجلبت التعزيزات من كافة مناطق سيطرتها في الحسكة والرقة وحلب، إضافة إلى الاستعانة بقياديي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني من شمال العراق بهدف قمع الانتفاضة.

قامت قسد بشن هجوم معاكس تمخض عن إعادة سيطرتها على المنطقة مجدداً بعد معارك عنيفة استمرت لأيام دخلت فيها قسد إلى بلدة ذيبان آخر معاقل مقاتلي العشائر بعد نفاذ ذخيرتهم والخذلان الذي تعرضوا له من قبل باقي مكونات الشعب السوري وفصائل الشمال المحرر.

انقسم مقاتلو العشائر إلى عدة أقسام فمنهم من اختار التهجير إلى الشمال المحرر رافضاً لحكم قسد، ومنهم من اختار البقاء في منطقته بعد إجراء تسوية مع قسد، ومنهم من اختار اللجوء لمناطق سيطرة عصابات الأسد وكان ”ابراهيم الهفل” أحد هؤلاء الذين عبروا إلى الضفة الأخرى لنهر الفرات.

قامت قسد بعد توقف المعارك بشن حملات كثيرة استهدفت فيها كل من شارك بانتفاضة العشائر واعتقلت عدداً كبيراً منهم رغم قيامهم بإجراء تسوية لأوضاعهم لديها ووعود الإصلاح التي قدمتها، إلا أنها تنصلت منها وعاودت ممارسة الانتهاكات والظلم الذي كانت تنفذه بحق المكون العربي ولكن بشكل أوسع وبطريقة انتقامية كردّ انتقامي من أهالي المنطقة الذين طالبوا بحقوقهم، وأبرز مثال اعتقال القيادي في جيش العشائر ”محمد البخيت” الذي أعطته قسد الأمان للعودة وتسوية وضعه أو التوجه إلى الشمال، ثم غدرت به واعتقلته وادعت أنه يتبع لداعش علماً أنه كان من السباقين لمحاربة داعش قبل ظهور قسد ذاتها.

أما عن مقاتلي العشائر الذين فروا باتجاه مناطق غرب الفرات، فقد قامت الميليشيات الإيرانية وعصابات الأسد باستغلالهم عبر تمويلهم ودعمهم بالسلاح، للاستفادة منهم كورقة سياسية وتنفيذ أجنداتهم بالمنطقة، فاستمرت بعد ذلك الهجمات ضد قسد انطلاقاً من مناطق سيطرة عصابات الأسد لكن بشكل متقطع ودون تثبيت نقاط سيطرة.

ومع ساعات فجر يوم الأربعاء الموافق للسابع من شهر آب الحالي، شنَّ مقاتلو العشائر بدعم من عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية هجوماً واسعاً استهدف نقاط قسد في بلدة ذيبان، وتوسعت رقعة الاشتباكات مع بدء الهجوم وانسحبت قسد من البلدة، الهجوم شمل لاحقاً بلدات غرانيج والكشكية وأبو حمام، وأسفرت الاشتباكات عن انسحاب قسد من البلدات المذكورة وأسر عدد من عناصرها على يد مقاتلي العشائر.

امتدت الاشتباكات إلى مدينة البصيرة أيضاً والتي يتواجد فيها مقر قيادة قسد في المنطقة، وبلدات الصبحة والصور والحريجي شمال ديرالزور، فيما قصفت قسد المناطق التي دخل إليها مقاتلو العشائر في بلدة ذيبان بقذائف الهاون، كما قامت باستهداف بلدتي الطيبة والبوليل غرب نهر الفرات بالمدفعية والرشاشات الثقيلة، إضافة إلى استخدامها لطائرات الدرون في إلقاء القنابل ما أسفر عن إصابة طفل جراء قصف إحدى الطائرات في بلدة غرانيج.

قسد قالت في بيان رسمي لها أن عناصرها تصدوا لهجوم من قوات النظام، وقامت باستجلاب تعزيزات عسكرية ضخمة من الحسكة إلى ناحية الصور ومنطقة المعامل شمال ديرالزور بهدف شن عملية عسكرية في ريف ديرالزور الشرقي.

وفي يوم الجمعة الموافق للتاسع من شهر آب الحالي شهدت بلدتي الدحلة والبوليل قصفاً متبادلاً بين قسد وعصابات الأسد أسفر عن مقتل 11 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال بقصف عصابات الأسد في بلدة الدحلة، وأدى قصف قسد إلى مقتل امرأة وطفلتها في بلدة البوليل بريف ديرالزور الشرقي.

وللمرة الأولى منذ سيطرة قسد على ريف ديرالزور الشرقي، نفذت وحدات خاصة منها عمليتي تسلل ضد نقاط عصابات الأسد في منطقة غرب الفرات موقعة أكثر من 18 قتيل في صفوف عصابات الأسد، وأعلنت قسد حينها أن مجلس ديرالزور العسكري هو من نفذ العملية، الخطوة التي فسرها مراقبون بأنها تنصل لقيادة قسد من العملية وحصرها بمجلس ديرالزور الذي يضم عناصر عرب في سبيل إشعال فتن عشائرية.

وعلى وقع الاتهامات لجيش العشائر بتبعيته لعصابات الأسد وتسببه بمجازر بحق المدنيين في ريف ديرالزور، خرج الشيخ ”ابراهيم الهفل” ببيان مصور يقول فيه أن مقاتليه لا يتبعون لأي جهة وأنهم لن يستبدلوا محتلاً بمحتلٍ آخر، الأمر الذي شككت فيه جهات عدة، حيث أكد ناشطون من أبناء المنطقة الشرقية مسؤولية الميليشيات الإيرانية عن هجوم السابع من آب إذ قامت بدعم وتسليح مقاتلي العشائر الذين شنوا الهجوم على نقاط قسد.

وبعد مرور عام كامل على انتفاضة أبناء العشائر العربية ضد قسد التي تدعي أنها تحكم بطريقة ديمقراطية، لم تُلبي الأخيرة أياً من مطالب الأهالي، بل زادت من إجراءاتها التعسفية بحقهم، وعمقت الشروخ بين مكونات شرق سوريا، ما يُنذر بتطورات أكبر في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة.

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top