skip to Main Content

اللعبة السياسية في مناطق سيطرة قسد.. وكيفية إدارتها

مقال رأي

ـ اتخذت قسد منذ بداية سيطرتها على مناطق ريف دير الزور سلسلة من الإجراءات والخطوات التي عملت على تنفيذها ضمن سياسة ممنهجة ومدروسة من شأنها أن تضمن بقاءها وتفرض أجندتها وسياساتها على المنطقة، فقدمت نفسها على أنها المنقذ من تنظيم الدولة (داعش) الذي نكّل بالمنطقة وأهلها، والمخلصُ من شروره، وآلةِ القتل التي كانت وما زالت تطال رقاب أبناء المنطقة، و أنها حاملة لقيم الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فالديمقراطية المشوهة لقسد، والسيادة القاصرة، والمواطنة التائهة، كلها مخرجات سياسية أفرزتها سياسة قسد الخاطئة في المنطقة، فالديمقراطية تعطي كماً من الحرية، غير أنها؛ أي الديمقراطية إن لم تكن حاضرة في العمق الثقافي للمجتمع فإن الحرية ستكون غير منضبطة، وستتحول، من بعدئذ، إلى فوضى واضطراب، ومن ثم تطفو على السطح رواسب العقل السياسي، هكذا دخلت ديمقراطية قسد المزعومة دون أن تجد لها في الثقافة المجتمعية عقلاً حاضناً، أو كما يمكن أن نصفها بــ شقاء الديمقراطية المنشودة.
ذلك أن النظام الديمقراطي يعطي، بطبيعته، مساحة من الحرية في التعبير عن المكنون الداخلي للجماعات، غير أن هذا التعبير يفقد غايته إذا لم يقترن بالعناصر الاجتماعية للديمقراطية. بمعنى الثقافة الديمقراطية، وإلا فالديمقراطية تتحول الى مصدر للفوضى والاضطراب، وهذا ما حدث في مناطق سيطرة قسد، لذلك فالديمقراطية كي تكون ناجعة في مجتمع سياسي ما، عليها أن تكون مقترنة بعمل ديمقراطي يقبل الآخر ويتعامل معه على أنه شريك وطني.
بعد دخول قسد، أنشأت جهازاً مؤسساتياً لها ما لبث أن نخر الفساد جسم هذه المؤسسة، وتراجع التعليم أيضا حتى ساد الجهل، وأصبح الفساد السياسي ظاهرة، وغسيل الأموال منقبة، وشراء الذمم حنكة، والرجل غير المناسب في المكان المناسب موهبة، وتجاوز القانون إبداع وفطنة.
وبدأ الحديث عن تحرر المرأة وأخذ دورها ضمن مجتمع قسد، وتقربت من وجهاء العشائر ذوي الخلفية التاريخية وقامت بصناعة شيوخ جدد تخدم مصالحها، وأوجدت لها شخصيات مفتاحيه في المنطقة، بل في كل تجمع سكاني وهذه الشخصيات المفتاحية منها ما هي عسكرية هدفها ضرب المناوئين والمناهضين لها ولسياتها في المنطقة..
وأخرى مدنيّة: وهي مجموعة من المنتفعين والمتسلقين من أبناء المنطقة وهم في الغالب من سيئي الصيت و…، هؤلاء ونقصد الطبقة الأخيرة تصدروا المشهد وقدموا أنفسهم على أنهم من يمثلون المنطقة وأهلها، مقابل الحصول على مكاسب مادية، وقد حصلوا لقاء خدمات يقدمونها لقسد تضمن بقاءها واستمرار استجرارها لخيرات المنطقة المتنوعة والكثيرة والتي تكفي لبلد بأكمله، في حين فتك الفقر والمرض والجهل بالمنطقة وأهلها، عداك عن آلة القتل المسلطة على رقاب أهلها جراء تضارب مصالح الأطراف اللاعبة والفاعلة على الأرض / قسد نفسها، داعش، والنظام و ميليشياته، وإيران وميليشياتها التي استباحت كل شبر من البلاد/، أمّا التحالف الدولي فقد بدا متخبطاً عاجزاً عن إيجاد آلية وتصوّر يُخرج المنطقة وأهلها ممّا هي فيه.
ولضمان استمرار ذلك الوضع وفي ظل تململ المكون العربي من خلال الناشطين والأكاديميين وبعض الفعاليات الاجتماعية الحرة وبحثها الدؤوب عن إيجاد حلٍ لهذه الأوضاع المزرية ، ومن خلال نافذة التحالف الدولي نفسه ، كانت قسد تستقتل في منع هؤلاء من الوصول إلى التحالف الدولي لنقل معاناة ومأساة المنطقة وأهلها ، لجأت قسد إلى اختيار شخصيات ارتمت في أحضان قسد، هزليةً فكرياً؛ أو شخصيات عشائرية منتفعة مادياً من قسد ، لا يعني لها من هموم الناس، وآمالهم من الأمر شيئاً ليس همّها سوى ما تأخذه من قسد ( السيارة، أو مهمة ورقية تسمح لهم بالتنقل ضمن أرضهم وأهلهم، وتعيين عددٍ من الموظفين بأسماء وهمية، فهذا سقف ما يرغبونه ، أما البلاد وأهلها أضحت من الماضي البعيد لتزيد المأساة عمقاً والجرج وجعاً وألماً ، وأظهروا المكون العربي هزيلاً منتفعاً.. والحال ليست كذلك قطعاً .
فقسد تتعامل مع شرق الفرات وكأنه مزرعتها الخاصة تقطف منها ما تشاء دون رقيب أو حسيب ، وضمن هذا السياق أخبرت وكالة المخابرات الدفاعية الامريكية ” البنتاغون في آخر تصريح لها” المفتش العام بأن الأكراد لايزالون يسيطرون على مواقع النفوذ في شمال شرق سوريا ، وقالت الوكالة إن قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطي مازالا يظهران عدم الرغبة في تقاسم السلطة مع العرب ، حتى في المناطق ذات الأغلبية العربية في الشمال الشرقي حيث من المحتمل أن يمثل المقاتلون العرب غالبية قوات الخطوط الأمامية لقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور .
وفي تقرير للبنتاغون اتهم روسيا ونظام الأسد بمحاولة الاستفادة من الاستياء بين السكان العرب في شرق الفرات لتقويض السلطات التي يقودها الأكراد والمرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية، وأضاف التقرير أن الجهات الحكومية غير المحددة تضغط على السكان المدنيين لنبذ قوات سوريا الديمقراطية.
في لعبة قذرة بين الأطراف المتصارعة والمتنافسة على المنطقة وخيراتها الخاسر الأكبر فيها العرب المتواجدين في المنطقة.
ـ وفي خطوة في غاية الأهمية بالنسبة لقسد عمدت للضغط على سكان مناطق ريف دير الزور بالتلويح بورقة النظام والمليشيات الإيرانية التي لا تبعد سوى أمتار قليلة مستغلة حالة العداء بين سكان المنطقة ، والأطراف الموجودة في غرب الفرات مهددة بترك المنطقة لهؤلاء في عملية ابتزاز سياسي بامتياز لزيادة فرض السيطرة على المنطقة ونهب خيراتها مستفيدة بذلك من عامل الوقت في تنفيذ سياساتها وتمرير أجندتها.
علماً أن النظام لم يبخل يوماً في التهكم والسخرية من قسد شكلاً ومضموناً ماضياً وحاضراً ولكن، مع هذا وذاك ما تزال قسد تكن له الود والتقرب وتدعمه بكل ما أوتيت من قوة، ولعل أبرز أنواع هذا الدعم مساعدتها للنظام في ملف النفط الذي يعد أبرز ورقة بيد قسد ولكن لا يصلح العطار ما أفسد الدهر!
إذ لعبت التدخلات الخارجية في وضع المنطقة دوراً مهماً في خلق الولاءات الأولية وتغليب المصالح الضيقة لدى الأفراد: مثل القبلية والعشائرية والطائفية والدينية والإثنية… إلخ على الانتماء والولاء للوطن، ما أسهم في إضعاف روح المواطنة.

ولو غصنا وتعمقنا قليلاً هنا لنقول: إن تمسك قسد وقياداتها بالنظام وارتمائها بحضنه مرده إلى أمور نوجزها بالآتي :
ـ الخوف من تكرار السيناريو العراقي في كردستان وتخلي التحالف الدولي عن قسد ومشروعها في المنطقة وخاصة بعد قرارات ترامب بالانسحاب من المنطقة ، وبدء تركية بعملية عسكرية في أقصى الشمال وقبول التحالف الدولي بهذه العملية.
ـ التقاء المصالح مع النظام وخاصة من قبل الأطراف العسكرية والسياسية من كلا الجانبين مما أوجد ثراءً فاحشا لدى الجانبين على حساب دماء الشعب السوري ولقمة عيشهم واستقرارهم ووجودهم .
ـ عدم امتلاك النخب القيادية في قسد في ظل الظروف المعقدة والصعبة التي تمر بها المنطقة من تنافس محموم بين مختلف الأطراف، من حسن تدبير وقراءة المشهد قراءة صحيحة تفضي إلى بناء شراكة حقيقية صحيحة وسليمة بين المكون العربي والكردي في منطقة تمثل بعداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً و جغرافياً للأطراف الأخرى، فكيف لقسد التي يقرأ قياداتها الأمور بطريقة قاصرة ستدفع ثمن هذه القراءة في أول منعطف سياسي أو عسكري تمر به المنطقة، وإن تعوليها على عامل الوقت في طريقة تعاطيها مع المنطقة هو انتحار سياسي لها بامتياز .
وفي ظل تجاهل وتغافل التحالف الدولي المقصود والممنهج لما تقوم به قسد ، فقد قُدمت المنطقة وأهلها لقسد وكوادرها ، تفعل بها كيف تشاء، وكما يروق لكوادرها ؟ الذين أضاقوا المنطقة الأمرّين ، في ظل إحكام هؤلاء اللاعبين أوراق اللعبة بيدهم وتحريك هذه الأرواق بيدهم متى شاءوا وكيف أرادوا ؟ إضافة إلى سياسة النأي بالنفس التي ينهجها كثير من أبناء المنطقة /مثقفون ، فعاليات اجتماعية ، ناشطون /الذين يعوّل عليهم كثير من طبقات المجتمع الأخرى في إيجاد مخرج لما تمر به المنطقة، فهل يتحقق أمل الضعفاء والبائسين في دخول هؤلاء على خط المواجهة في العمل على تحقيق الأمل المنشود ، وتحقيق ما تصبوا إليه نفوس التواقين إلى واقع أفضل.
وعليه فإن التحالف الدولي مسؤول عن مغامراته في المنطقة بالاعتماد على قسد كشريك استراتيجي ، ولايزال أهالي المنطقة بمكوناتها الثورية، العربية منها والكردية الشريفة خارج دائرة القرار والتأثير ، فهل ستجد هذه الكلمات آذاناً صاغية في ظل هذه المعطيات أم أن الجميع يغط في سبات عميق؛ سبات فرضته الأطراف المتصارعة والمتنافسة على المنطقة كل المنطقة ؟

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top