skip to Main Content

مأساة “الهول”.. على أبواب الخلاص

مقال رأي

لم تزل تلك الأرواح التعيسة والأجساد النحيلة القابعة خلف أسوار الموت تئن تحت وطأة سوط الجلاد ومعاناة الجوع والفاقة لسنوات خلت، ذاقت فيها هذه الأنفس أنواع العذابات وأصناف المآسي، هو أشبه بسجن كبير تحيطه أسوار من التراب مترامية الأطراف، والناس فيه يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يعد الهروب من هذا السجن بمثابة الانتحار، فالهاربين إلى ثلاثة إما القتل برصاص الحراس أو الهلاك خلال مسيرة الهرب وأحسن الهاربين حالاً أولئك الذين يتم القبض عليهم ونقلهم إلى أفرع قسد الأمنية وقضاء ليالي طويلة بالمنفردات مع تذوق أصناف التعذيب التي تمارس على من حاول أن يلتقي بحريته بعد سنوات من الاحتجاز.

إنه مخيم الهول سيء السمعة، كل من احتجزته قسد داخل هذا المخيم يعرف بشكل دقيق معنى مصطلح سيء السمعة، إذ يقع المخيم في أطراف بلدة الهول شرق الحسكة وهي عبارة عن منطقة صحراوية شتاؤها قارس وصيفها شديد الحر، حيث تحتجز فيه قسد آلاف العوائل الفارة نتيجة المعارك التي دارت بين تنظيم داعش وقوات قسد المدعومة من قبل التحالف الدولي بمناطق ريف ديرالزور وريف الحسكة الجنوبي، وذلك ضمن خيم ممزقة لا تقي برداً ولا حراً، تتطاير كلما هبت عاصفة رملية، كان غالبية هؤلاء الفارين من المدنيين العزل ومن وصل منهم سالماً تم أخذ بياناته الشخصية وإثباتات عائلته وزجه داخل المخيم دون أي موعد لإخراجه إلى حيث ينوي العيش أو الفرار لخارج سوريا بحثاً عن مأمن من الحرب، ومما زاد الطين بلة خروج العديد من عوائل عناصر تنظيم داعش الذين تم احتجازهم مع المدنيين، وهذا ما استخدمته قسد ذريعة وشماعة لإبقاء جميع العوائل المدنية محتجزة داخل المخيم بحجة التأكد منهم تارة وأنهم دواعش تارة أخرى.

كل هذا أدى لاستخدام قسد كافة المحتجزين لديها في استجلاب الدعم الدولي والإنساني والإغاثي وجمعه لصالح خزينتها ومشاريعها، أما المحتجزين فكانت المعاناة حليفهم والمأساة رفيق دربهم طوال فترة احتجازهم حيث لا خدمات ولا كهرباء ولا ماء بل وحتى المنظمات الإغاثية التي كانت تدعم المخيم بشكل مباشر يذهب القسم الأكبر من دعمها لجيوب المسؤولين والمنتفعين وتجار الحرب التابعين لقسد، في وقت لا يصل فيه لذلك اللاجئ سوى الفتات القليل.

وبعد تفاقم المعاناة ووصولها لدرجة لا تحتمل على خلفية الإبقاء على آلاف الأهالي تحت ظروف معيشية وخدمية وطبية صعبة جداً، ووسط عشرات المطالبات والدعوات للإفراج عمن بقي من تلك العوائل وبالتزامن مع توقف الدعم الدولي الذي جعلت منه قسد “بقرة حلوب” لسرقة مستحقات المخيم، على إثر هذا كله أرادت “قسد” الخروج بماء وجهها بعد كل هذه المأساة التي سببتها للنازحين المدنيين، وذلك من خلال إخراجهم على دفعات، كما أصدرت قراراً بالبقاء لمن يشاء من الأهالي وخروج من يرغب بمغادرة المخيم بعد إظهار الثبوتيات والأوراق الشخصية والتأكد منها من قبل إدارة المخيم.

جاءت هذه الخطوة كما أسلفنا بعد انقطاع شبه كامل للدعم الموجه للمتضررين من الحرب والمحتجزين داخل المخيم، بعد تحويل هذا الدعم بشكل شبه كامل لملف إصابات كورونا والذي وجدت فيه قسد “بقرة حلوب” جديدة لخزينتها المستخدمة في إطار التجنيد الإجباري لعناصر جدد وتمكين نفسها في المنطقة على حساب المكونات الأخرى وأبرزها المكون العربي وفرضها من قبل التحالف الدولي كأمر واقع بالتزامن مع إقصاء أي طرف دون التحرك بأمرها أو تحت مظلتها، وبالعودة لمخيم الهول شكلت ضغوط المنظمات الحقوقية والدولية خطوة في طريق إنهاء الوضع داخله وإخراج الأهالي منه، إضافة لوساطة وجهاء العشائر العربية في مناطق ديرالزور، وذلك مع الإبقاء على المنتمين لتنظيم داعش من النساء والأطفال وغالبيتهم من الجنسيات الأجنبية، بهدف تسليمهم إلى دولهم لاحقاً أو الاحتفاظ بهم في نفس المخيم أو أماكن أخرى لا تقل سوءاً عنه.

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top