يُعتبر التاريخ مرآة الحاضر ومن أجل فهم ما يجري في وقتنا الحالي يجب التمعن في…
مجزرة الجورة والقصور… جريمة تعتصر لها القلوب كلما جاءت ذكراها
يُصادف اليوم الذكرى الثانية عشر لمجزرة حيي الجورة والقصور في مدينة ديرالزور التي راح ضحيتها أكثر من 450 شهيداً تم توثيقهم ومعظمهم من النساء والأطفال، وحدثت في يوم الثلاثاء الموافق 25 أيلول عام 2012 وحمل ذلك اليوم اسم الثلاثاء الأسود لدى أهالي المدينة.
بدايتها
شهدت مدينة ديرالزور منذ شهر حزيران عام 2012 حصاراً عسكرياً من قبل عصابات الأسد شمل معظم أحياء المدينة التي غدت خراباً جراء القصف الجائر عليها، باستثناء حيي الجورة والقصور حيث لم يدخل أفراد الجيش السوري الحر إلى تلك الحيّيّن من أجل إبقاء ملاذ آمن لأهالي المدينة الذين هاموا في الأرض على أعقاب الحملة العسكرية من قبل عصابات الأسد، حيث لجأ قسم منهم إلى حيي الجورة والقصور ظناً منهم أنها أحياء آمنة لعدم دخول الجيش الحر إليها.
عصابات الأسد التي كانت تحاصر المدينة من جميع الجهات، استجلبت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى معسكر الطلائع الواقع على أطراف حي الجورة وضمت تلك التعزيزات أفراد من عصابة الحرس الجمهوري يقودهم المجرم الطائفي ”علي خزام” ومجموعات أخرى بقيادة المجرم ”عصام زهرالدين” الذان أشرفا على مجزرة حي ”بابا عمرو” بمدينة حمص قبل أسابيع قليلة من وقوع المجزرة، بالإضافة إلى ميليشيات إيرانية طائفية عابرة للحدود قدمت إلى المدينة.
أحداثها
وسط هدوء حذر يعم المكان تتخلله أصوات قصف واشتباكات في باقي أحياء مدينة ديرالزور اقتحمت قطعان الشبيحة الطائفيين الذين قدموا من من كل حدب وصوب يقودهم المجرم الطائفي ”جامع الجامع” والذي ارتبط اسمه بقضية اغتيال ”رفيق الحريري” رئيس وزارء لبنان سابقاً، برفقة المجرمَين علي خزام وعصام زهرالدين، حي الجورة ونفذوا حملات اعتقال عشوائية لكل من وجدوه بطريقهم وقاموا بصف المعتقلين على جدار مبنى الإطفائية وإجبارهم على التلفظ بعبارات تمجد العصابة وتؤله زعيمها المجرم بشار قبل أن يقوموا بتصفيتهم بدم بارد.
وعقب ذلك داهمت قطعان العصابات والميليشيات معظم منازل الحي وبدأوا بإخراج السكان، حيث كان عناصر الميليشيات الإيرانية يجولون حاملين سيوفاً وسكاكين ويقتلون كل من يجدونه ذبحاً دون التفريق بين رجل وامرأة وطفل وشيخ، وبحسب شهود ناجين من المجزرة قامت القطعان الهمجية باعتقال شُبّان كانوا يعملون بفرن وقاموا بإهانتهم ومن ثم ألقوهم في الفرن وهم أحياء ليلاقوا مصيرهم حرقاً.
هدأت الأصوات في حي الجورة وبدأت تتخافت تدريجياً، لكن مغول العصر لم يهدأوا وقرروا اقتحام حي القصور المجاور بهمجية لا تقل عما فعلوه في حي الجورة، وكما فعلوا بالحي الآخر قام المجرمين بشن حملات اعتقال عشوائية في شوارع الحي وتنفيذ إعدامات ميدانية بحق الأهالي واقتحموا المنازل وقتلوا ساكنيها الذين كانوا يظنون أنهم بمأمن عن قصف العصابة لباقي أحياء المدينة.
وبعد أيام من وقوع المجزرة سكنت أصوات المجرمين وخرج أهالي الحيين الذين لم تطالهم سكاكين الغدر الطائفية لكنهم كانوا يختنقون من رائحة الجثث المبعثرة في الشوارع والمكدسة في المنازل، وكان هول ما رأوه أشد عليهم من وقع القتل لو أنه طالهم.
أشلاء وجثث تملأ الشوارع لا يُعرف أصحابها، نساء وأطفال قضوا خنقاً وذبحاً بالسكاكين، شُبّان ماتوا حرقاً وآخرين لم يستطع ذويهم التعرف عليهم بسبب سكب مواد كيميائية على أجسادهم، أكثر من 450 شهيداً تم توثيقهم وآخرين لا يزال مصيرهم مجهولاً ليومنا هذا، أكثر من 200 طفل وامرأة تم قتلهم بدم بارد، على الرغم من أن تلك الأحياء كانت تخلو من أي وجود عسكري، سوى أفرع ميليشيات الأمن فقط أي أن تلك الأحياء كانت تحت سيطرة عصابات الأسد بالكامل، لكن ذلك لم يكن ليغفر لأبناء ديرالزور خروجهم ضد الطاغية.
وبالعودة لمجرمي المجزرة الذين خططوا لها وقادوها وكانوا على رأس من نفذها وهم الضباط الثلاثة ”علي خزام” المنحدر من القرداحة وابن خالة زعيم العصابة بشار الأسد فقد لقي مصرعه بعد 10 أيام من المجزرة فقط خلال الاشتباكات مع الجيش الحر، أما جامع الجامع أيضاً قام الجيش الحر بقتله خلال تحرير حي الرشدية عام 2013، وعصام زهرالدين بقي حياً حتى عام 2017 حيث قُتل بلغم أرضي في مدينة ديرالزور أيضاً بعد أيام فقط من إعادة عصابات الأسد السيطرة عليها كاملة بدعم روسي وإيراني.
واليوم بعد أن ذاق أولئك طعم الموت على ثرى المدينة التي دنسوها، يعيش داعميهم أسوأ أيامهم فميليشيا حزب الله الطائفية تذوق ويلات الحرب في لبنان دون أي تدخل من حلفائها لنصرتها، وإيران ترزح تخت حصار مطبق عليها، أما روسيا التي دعمت العصابة فهي غارقة في مستنقع الحرب الأوكرانية، وعصابة الأسد التي دعت كل أولئك المجرمين تحكم بضع مدن من بلاد يستبيحها الاحتلال الإسرائيلي متى شاء دون أن تنبس العصابة ببنت شفة.
وتبقى مدينة ديرالزور شاهدة على همجية ووحشية مجرمي العصر بأكبر مجزرة شهدتها الثورة السورية -بعد مجزرة كيماوي الغوطة- والتي لُقبت بالمجزرة الصامتة حيث غابت عن شاشات التلفزة وصفحات الإعلام كا غُيبت المدينة لعدة سنين عمداً.
This Post Has 0 Comments